سيرة ماو وإيميلدا

TT

عرضت منذ فترة لكتاب «بجعات برية» للكاتبة الصينية «يونغ تشانغ». وهو عبارة عن سيرة مثيرة (دار الساقي) لثلاثة اجيال من عائلة تشانغ هي في الواقع صورة مذهلة للحياة في الصين منذ بدايات القرن الماضي، حين كانت المرأة ترغم على وضع قالب حديدي في قدمها، لكي لا تكبر، لأن الرجل يفضل القدم الصغيرة. وقد عملت الدكتورة تشانغ المولودة 1952، مزارعة وعضوا في الحرس الأحمر وفي مصنع للفولاذ وكاتبة ومحاضرة، ثم اصبحت اول مواطنة من الصين الشعبية تحصل على الدكتوراه من جامعة بريطانية. وباع كتابها «بجعات برية» اكثر من 10 ملايين نسخة في 30 لغة، وهو سرد رائع لحكاية جدتها التي جعلت جارية لأحد الاقطاعيين وكيف انضمت امها الى الحزب الشيوعي سرا وهي في الخامسة عشرة. ثم اعتقل الشيوعيون اهلها ونفوها الى منطقة حدودية قرب الهملايا وبعدها سمح لها بالدراسة في الخارج، فوصلت الى بريطانيا العام 1978 وانضمت الى كلية اللغات في جامعة يورك.

بعد شهر او اقل يصدر كتاب تشانغ الأول لأكثر من عشر سنوات. الموضوع: سيرة ماوتسي تونغ «الرجل الذي اعتقدت وهي في الثانية عشرة انه الله، وحاولت الانتحار لأنها لم تستطع ان تلمح وجهه خلال زيارة الى بكين». غير ان ماو الذي تقدمه الى قرائها الآن رجل مختلف تماما «انه اكبر قاتل جماعي في التاريخ، واذا لم تستنكر الصين ماو وإرثه فلن تستطيع الصين ان تخطو الخطوة الأخيرة نحو حكم ديموقراطي جميل، واعتقد ان كتابي سيلعب دورا صغيرا في هذا الاتجاه».

عادت تشانغ وزوجها، المؤرخ البريطاني جون هاليداي الى كل المصادر التاريخية الممكنة: اجرت مقابلات مع هنري كيسنجر ومع الرئيسين السابقين جورج بوش وجيرالد فورد. كما اعتمدت كثيرا على ارشيف الاحزاب الشيوعية في البانيا وروسيا ورومانيا. وتقول «للأوبزرفر» ان الكتاب عمل اكاديمي اكثر منه عمل انتقامي لما تعرضت له هي وعائلتها. وعندما وصلت الى لندن كان «اكثر ما افرحني منظر الزهور في «الهايد بارك». ففي الصين امرت الثورة الثقافية بابادة كل الزهور والحدائق لأنها عادة بورجوازية».

وتتهم تشانغ التشرمان ماو بأنه كان وراء المجاعة الكبرى التي اعقبت «القفزة الصناعية» في الخمسينات. وتنقل عن شهود عيان كيف ان زوجة ماو الثانية وضعت طفلا خلال المسيرة الطويلة لكنها ارغمت على ترك المولود خلفها. كما تعرض تفاصيل جديدة عن حياة ماو مع النساء وبينهن ايميلدا ماركوس زوجة الديكتاتور الفيلبيني التي كانت تعتبر مع زوجها فرديناند اقرب الناس الى الاميركيين فيما كان ماو ينادي بارسال الامبريالية الاميركية الى قمامة التاريخ.

وتؤمن تشانغ ان ماو لم يكن اقل فظاعة من ستالين وهتلر: «ولا يزال الخط العام للحزب يقول انه كان 70% جيدا و30% سيئا. اما انا فاعتقد انه كان وحشا». لكن لماذا الكتابة عن ماو الآن؟ لماذا طبيبه الخاص ثم الكتاب الصينيون والآن اشهرهم؟ حسنا، لأن الكتابة عنه في الماضي كانت مستحيلة. ولم يستطع نيكيتا خروشوف ان يقول كلمة واحدة عن ستالين قبل وفاته يوم وقف في المؤتمر العشرين للحزب يفند الجرائم والفظاعات التي ارتكبها. ومن الأفضل ان نكتب التاريخ على حقيقته من الا يكتب أبدا.

وفي بعض العالم العربي معذبون كثيرون ينتظرون غياب الظلم من أجل شروق حقيقة التاريخ.