أم الدنيا.. ماذا عن الإعلام؟

TT

بلطافة تبطن تحذيراً واضحاً قال لي الضابط المصري: «طبعاً حضرتك عارفة قواعد التصوير.. ممنوع تصوير الشحاتين.. ممنوع تصوير الأماكن القذرة والزبالة.. يعني أعتقد إن إحنا متفقين إنك ما تصوريش حاجة تشوه صورة مصر!». أردف الضابط كلامه لي بتوبيخ لأحد الأمنيين معه لأنه سمح لمتسولة عجوز بدخول محل يرتاده السياح الأجانب قائلاً له: «إزاي تخليها تخش.. ده منظر يشوفوه سيـاح».

اختصر كلام وأداء هذا الضابط المفهوم التقليدي الرسمي المصري للصورة التي ينبغي على الإعلام، أي إعلام، أن ينقلها عن «أم الدنيا».. حصل ذلك قبل أشهر قليلة حين كنت أجول في شوارع خان الخليلي في القاهرة بهدف إعداد وتصوير تحقيق مطول عن موضوع اجتماعي يفترض أنه لا يثير حساسية السلطات، إلا أن التصوير استلزم الحصول على عدد من التصاريح وطبعاً مرافق، وهو تعبير ملطف عن كلمة رقيب، من دائرة الإعلام في التلفزيون المصري يجول معنا خلال تنقلنا في شوارع القاهرة وهي أمور لا تتم بسرعة بل تستلزم أياماً. وحكاية التصاريح لا تنطبق فقط على الصحافيين الأجانب القادمين إلى البلاد بل تطال الصحافيين والإعلاميين المصريين الذين إما قد يحصلون على تصاريح تصوير دائمة أو مؤقتة للتصوير.

استعدت هذه الحادثة وتفاصيل أخرى أكثر تعقيداً حدثت معي في مصر وعدد آخر من الدول العربية حين قرأت منذ فترة أن التلفزيون المصري وبتوجيهات من وزير الإعلام المصري الجديد أنس الفقي بدأ حملة تحديث تطال إطلالة المذيعين والمذيعات والأهم تدريب الصحافيين والإعلاميين على المبادئ الأساسية في كتابة ونقل الأخبار تحت إشراف محطة BBC البريطانية.

ليست مصر وحدها التي لا تزال تتمسك بإعلام عام موجه وفق نظرة جامدة لمفهوم الصورة المنقولة عنها.. معظم الدول العربية لديها السياسة نفسها تقريباً وأي إعلامي أو صحافي يرغب في الذهاب إلى إحدى هذه الدول عليه أن يقدم شرحاً مطولاً عن المادة التي يريد تصويرها وهدفها. وللصحافيين والمصورين حكايات طويلة وأحيانا كثيرة مريرة عن العقبات والعراقيل التي يواجهونها في سبيل إنجاز عملهم في أكثر من دولة عربية إذا كانت هذه المواضيع لا تنسجم مع التوجه الرسمي لتلك البلاد.

مهمة التحديث التي يتردد أن الوزير المصري يسعى إليها ليست سهلة في جهاز كالتلفزيون المصري الذي تجاوز عدد موظفيه الثلاثين ألفاً وهو رقم خيالي بالنسبة إلى أي محطة تلفزيونية عالمية. وكثيراً ما يردد موظفو التلفزيون المصري أنباء عن بعض العقليات المتحجرة التي تحول دون أي عملية تحديث أو تطوير في الأداء لصالح مفاهيم تقليدية معروفة ومثل هذه العقليات تشكل عقبة فعلية أمام أي طموحات تغييرية.

لا شك أن مصر بلد ثري بالقصص والمواضيع الاجتماعية والسياسية والإنسانية التي يجدر بالإعلام أن يتناولها بشكل معمق وهذا ما لا نلاحظه في الإعلام المصري والعربي بسبب القيود المفروضة من قبل السلطات المصرية على حركة وأداء الإعلاميين.

مهمة الوزير المصري الجديد معقدة فعلاً خصوصاً إذا استعدنا أداء التلفزيون المصري خلال الاعتداءات الأخيرة التي طالت مصر، ففي حالتي تفجيرات طابا قبل أشهر وتفجير الأزهر الأخير سارع التلفزيون المصري للإعلان بأنها انفجار قوارير غاز!

* إعلامية لبنانية تراقب وتتابع قضايا الإعلام