عيال شوارع

TT

دعتني إحدى الصديقات لتناول العشاء في أحد المطاعم العربية، وكانت بصحبتنا مراهقتان، الى الطاولة. وأثناء تناولنا العشاء، سمعت الفتاتين تتندران على شاب سعودي جلس بالقرب من طاولتنا، على طريقة قصه لشعره، وعلى أنفه وثيابه.

اعتبرت أن ما أسمعه مجرد هزل مراهق لا بد أن يمر، لكنني لم استطع ضبط نفسي عندما سمعت الفتاة تطلب من رفيقتها أن تصور الشاب. رفعت رأسي وسألتها: هل تقبلين أن يتطفل عليك أحد ويصورك؟ ردت علي الفتاة: أمزح! ولا أدري إن كانت حقا تمزح أم لا، لكنني أعرف كثيرا من الشباب لا يمزح، تراهم في الأسواق والأماكن العامة، يرفعون كاميرا الهاتف في أيديهم، بكل راحة ضمير يصورون من حولهم من دون سبب، وقبل أن يأتي جيل الهواتف الجوالة المزودة بكاميرا، يصورونهم لو توفرت، في أيديهم كاميرا، في السفر أو على الشاطئ.

وعندما أصبح الهاتف الجوال يوفر هذه الخدمة، صار الفتى والفتاة بل والرجال والنساء يرفعون كاميراتهم في كل مكان ويصورون من دون أن يعتبروا أن تصرفهم تعدّ على حرية الناس وخصوصياتهم الشخصية.

إن بعض تصرفات الشباب اليوم في الشارع، تبدو سلوكيات منفلتة من تقاليد الشارع واحترام حق الآخر وحق المكان العام، حتى الرجال منهم والنساء، يشعرون بعدم مسؤوليتهم عن سلوك منضبط طالما أنهم في مكان لا يعرفهم فيه أحد، فيحق لهم البحلقة والتطفل على الآخرين، ولا يشعرون بأن من واجبهم ضبط سلوك أطفالهم لو بدأوا بتخريب المكان.

وأنا أكتب عن ظواهر شاهدتها في طبقات تدرس في مدارس خمسة نجوم، وتلبس ثيابا من ايطاليا، وفرنسا، وتسافر بالدرجة الأولى. إحدى السيدات ردت على موظفة في قاعة الانتظار في الدرجة الأولى وهي تشاهد أطفالها يحطمون نماذج الطائرات الصغيرة في الاستراحة، بالقول إنها تريد أن تمنح رأسها راحة هنا، فيكفيها ما عانته من مشاغباتهم في غرف الفنادق، بالمناسبة كانت فنادق خمس نجوم أيضا!. أحد الرجال شاهدته في عيادة طوارئ خاصة، يعطي ابنه الورقة ويقول: ارم الورقة في وجهها! ـ يقصد الممرضة ـ.

الأطفال في مدينة الألعاب يعتبرون أن تعدي الطابور والقفز على الناس شطارة. الطفل في البقالة يدخل ويصيح في العامل الهندي: «ياهيه انت يا رفيق»، الشاب ينتهز مرور سيدة في عمر والدته ليطلق عليها كلمة مثل: «هلا والله يا شهرزاد»، فيضحك رفاقه! تستطيع أن تميز طفلا سعوديا من آخر إماراتي أو كويتي أو أردني، لأن الطفل السعودي يبحلق في كل من حوله ويكاد يصطدم بعامود النور أمامه، ولو مازحته لقال لك: «هالحين أعطيك بوكس»، بعض أطفالنا لم يتعودوا على مخاطبة الغرباء بلفظ «يا خاله أو يا عم» طالما أن لا سلطة عليهم.

والسبب هو غياب الشارع في حياتنا، وهو سبب عدم فهمنا لقوانين مجتمع عام ومشترك. تحافظ على حقوق الشارع وحقوق الآخرين، ولهذا نطلق على كل صاحب سلوك منفلت ولد شوارع!

[email protected]