تفعيل دور روسيا في تسوية أزمة الشرق الأوسط

TT

رافقت الرئيس فلاديمير بوتين في جولته الاخيرة في القاهرة وتل أبيب ورام الله. وقد أظهرت زيارة رئيس الدولة الروسية مرة اخرى رغبة جميع اطراف النزاع العربي ـ الاسرائيلي في رؤية روسيا كطرف نشيط في عملية السلام. ومن الطبيعي ان تكون دوافع هذه الرغبة مختلفة، لكنها وردت في جميع العواصم التي زارها بوتين. فماذا يكمن وراء هذا «الاجماع في الرأي»؟

روسيا، كما هو معروف، طرف مباشر في «رباعي» الوسطاء الدوليين، الذي يضم الى جانب روسيا الاتحادية كلا من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وهيئة الامم المتحدة. وقد اعد «الرباعي» «خريطة الطريق» التي هي بمثابة جدول زمني لتسوية النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني. علما ان الهدف النهائي هو اقامة الدولة الفلسطينية، بعد ان تتم في المرحلة النهائية معالجة قضايا صعبة مثل القدس واللاجئين الفلسطينيين. لكن يجب على اسرائيل ان تقوم في المرحلة الوسطية بالتخلي عن بناء مستوطنات جديدة، وتوسيع القديمة في الاراضي المحتلة، علما ان روسيا تصر على ذلك، وقد جرى التأكيد على ذلك مجددا في اثناء زيارة فلاديمير بوتين، فيما تتمسك الاطراف الاخرى في «الرباعي» بهذا الموقف ايضا.

ومعروف ان شارون زار الولايات المتحدة بعد اعلانه عن اجلاء المستوطنات اليهودية من قطاع غزة. ولكنه سرعان ما اجل موعد هذا الاجلاء الى 20 يوليو. وفي يوم الثلاثاء الماضي ذكر وزير الخارجية الاسرائيلي يوم 15 أغسطس كموعد جديد للإجلاء. وحسب قوله سيبدأ في 15 أغسطس سحب المستوطنات، اما العملية نفسها فستستغرق عدة اسابيع. وقد نوافق على الرأي القائل بأن شارون يضطر الى المناورة، بسبب وجود مصاعب في داخل اسرائيل، حيث يقاوم قسم كبير من السكان الانسحاب من غزة. لكن هل ان مناورة شارون هذه تكتيكية؟

تكمن المسألة في ان رئيس الوزراء الاسرائيلي يفكر في الاجلاء بصفته خطوة منعزلة عن «خريطة الطريق». علاوة على ذلك تنص خطة شارون على تصفية المستوطنات في منطقة غزة، وفي الوقت نفسه تقضي، طبعا خلافا لخطة «خريطة الطريق»، ليس بالابقاء على المستوطنات في الضفة الغربية بل وتوسيعها. والمقصود بالامر مستوطنة كبيرة مثل معال ـ ادوميم الواقعة الى الشرق من القدس حيث من المقرر بناء 3500 بناية سكنية.

وكان من الطبيعي في مثل هذه اللحظة الصعبة ان توجه مباحثات بوتين في جميع العواصم الثلاث نحو تعزيز «خريطة الطريق» وعدم السماح بالتراجع عنها. وقال الرئيس بوتين في مصر في مؤتمره الصحافي بعد اختتام محادثته الانفرادية وجها لوجه مع الرئيس مبارك، ان اجتماع «الرباعية» سيعقد بموسكو في 8 مايو على مستوى وزراء الخارجية، وفي الخريف سيعقد مؤتمر دولي حول تسوية قضية الشرق الاوسط. بيد ان هذه الفكرة لم تحظ بالتأييد لدى القيادة الاسرائيلية. وهذا كما يبدو يعكس السعي الى التهرب من المشاركة الدولية في عملية تسوية اخطر النزاعات واطولها امدا.

لقد كان فلاديمير بوتين يبتغي في العواصم الثلاث بصورة مكثفة تهيئة الظروف التي تحول من دون دخول الوضع في الشرق الاوسط في طريق مسدود مجددا. وفي اثناء اللقاء في رام الله اكد محمود عباس وغيره من القادة الفلسطينيين استعدادهم لتنفيذ جميع شروط اتفاق شرم الشيخ حول ايقاف اطلاق النار. وكان واضحا بكل جلاء ان القيادة الفلسطينية تريد فعلا وليس قولا مواصلة عملية السلام مع اسرائيل. ورد محمود عباس على قول الرئيس الروسي ان من الواجب الالتزام بوقف اطلاق النار بحزم وعدم السماح بارتكاب افعال ارهابية بقوله، انه اتفق مع جميع المنظمات الفلسطينية حول ضرورة الامتناع عن القيام بأفعال يمكن ان تستثير الصقور الاسرائيليين لإحباط المفاوضات. وفي هذه الظروف تسعى روسيا الى دعم القيادة الفلسطينية، بما في ذلك تزويدها بالسلاح.

لكن ما يدعو الى الأسف ان البعض في اسرائيل لا يدرك هذه الضرورة، فقد قال لي شيمعون بيريس في محادثة خاصة ان اكبر خطر على عملية السلام يكمن في مطالبة اسرائيل بمنحها «الأمن الاعظم».

وكان فلاديمير بوتين صريحا تماما حين اكد في اثناء المباحثات مع شارون على ان روسيا تؤيد التسوية العادلة التي يجب ان يضمن فيها الأمن لكافة الاطراف. ودعا بوتين الى ان تراعى في آن واحد ضرورة التحرك على «المسار» السوري ايضا. وتؤكد جميع الافعال الايجابية الاخيرة لسورية مرة اخرى ان الظروف متوفرة لذلك وأنها ليست قليلة.

ولا بد من الاشارة الى انهم في اسرائيل كانوا ايضا راضين عن نتائج زيارة فلاديمير بوتين. وذلك ليس لأنه كشف شيئا جديدا في مواقفه، بل لأنها كانت صريحة للغاية. واعتقد ان القيادة الاسرائيلية صارت في الوقت الحاضر تدرك بشكل افضل مدى أهمية دور روسيا في التسوية، ولو انطلاقا من ان روسيا تعامل بمودة كبيرة، ويسمع صوتها القادة الفلسطينيون وكذلك مصر وسورية والاردن. وهذا عامل كبير الاهمية، بالاخص اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار اتجاهات تفكير الرأي العام الاسرائيلي التي لا تعكسها الصحافة الاسرائيلية البتة، والتي غالبا ما تنتقد موسكو ولو بدون سبب.

* وزير الخارجية الروسي السابق ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)