مشروع المليون كومبيوتر

TT

لا أدري ان كان الهدف هو الربح بتوسيع دائرة تشغيل الهواتف عندما قدمت الاتصالات السعودية مشروع ادخال مليون كومبيوتر الى المنازل. ومهما كان الدافع، الا انه مشروع رائع يستحق التأييد والتعجيل بتنفيذه. مليون كومبيوتر يعني نحو خمسة ملايين مستخدم، غالبيتهم شباب وشابات. سيعني ربط نحو خمس منازل البلاد إلكترونيا. سيعني توسيع الخدمات الحكومية. وسيعني تطوير الاداء المدرسي والاقتصادي والسياسي. أما المدرسي فلأن البرامج والمواقع الإلكترونية صارت تلعب دور المدرس الخصوصي، وتعوض عن ضعف المدرسين في المدارس. أي ان المدرسة والمنزل سيرتبطان بالكومبيوتر والخط الهاتفي.

أما الجانب الاقتصادي فسيتعاظم مع هذا الشبك الكبير للبيوت، والذي سيبني إليكترونيا اكبر سوق يتجول فيها ملايين المشترين. الشق الأكثر حساسية هو السياسي. فإدخال كومبيوتر الى منزل يعني هدم جدران الدار، وإلغاء حدود البلاد، وفتح المجلس لكل من أراد ان يزور افراد العائلة. سيدخل البيت رجال الحكومة، وأطياف المعارضة، وعصابات الجنس والعنف. من خلال الكومبيوتر يمكن الانتخاب ويمكن ايضا صنع قنبلة كيماوية. والمؤسف ان الفتح الإليكتروني في العالم العربي خدم أولا الاطراف السيئة، مثل التي تبيع الجنس والتعصب والإرهاب. ولا يمكن ان نلوم هؤلاء المبعدين من ان يحاولوا التسلل الى البيوت والعقول، لأنهم لن يفوتوا فرصة ثمينة كهذه. اللوم يقع بالدرجة الاساسية على موجهي المجاميع السياسية الكبيرة الذين تعالوا على المجتمع، وعزفوا عن التواصل مع الناس، إما لأنهم يشعرون بالامان، كونهم في السلطة، او لأنهم يخافون من المواجهة. فالتيار الغالب الذي يبيع بضاعته على الإنترنت هم المنبوذون، الذين عثروا في المواقع الإلكترونية على سوق سوداء، تروج فيها الاقوال الكاذبة أكثر من الصادقة. وهذه الفئات ستجد في مشروع المليون كومبيوتر، والخمسة ملايين مستخدم في بلد كالسعودية، فرصة سياسية ثمينة، ستزيد من تكتلهم وحملتهم الفكرية والحزبية. وهنا لا يجوز ان نفكر في منعهم، لأن المنع امر شبه مستحيل، كما ان مشروع نشر ثقافة الكومبيوتر يستحق تحمل مثل هؤلاء، ولا بديل من التوعية السياسية في مواجهه هذا الغثاء الكبير الذي يروج للسيئ فينا، من مخدرات الى تعصب وعنف.

وتعميم الكومبيوتر على الأغلبية له مضاعفات ايجابية كبيرة أخرى، حيث سيقلل من الفروقات بين الاغنياء والفقراء. فقد ظل الكومبيوتر منذ وصوله ميزة للميسور ماديا، على اعتبار انه فوق طاقة العائلة الفقيرة. وبسبب دخوله بيوت الميسورين وغيابه عن دوي الدخل المحدود، فان الهوة ستتسع فكرا وعملا. وبظهور مشروع تيسير الكومبيوتر لمن لا يملك ثمنه، سينعم الفقراء بفرصة تطوير امكانياتهم، ولن يهمشوا ثقافيا وسياسيا وماديا. فالكومبيوتر اليوم وغدا، مثل الكهرباء بالأمس، لن يكون مقبولا ان تضاء بيوت الميسورين، بل لا بد من اضاءة بيوت الناس جميعا. ولهذا نزجي التحية لمن فكر وبادر بمشروع المليون كومبيوتر، حيث ان ما ينقصنا دائما هو المبادرات الخلاقة. هذه المبادرة تحديدا ستحدث تغييرا نوعيا كبيرا في مجتمعنا الحديث النمو.