مصر: بين نموذج لبنان .. ونموذج الزرقاوي

TT

منافسة حماس ضد فتح في الانتخابات الفلسطينية، هل هذا هو النموذج الذي يفسر ما رأيناه في مصر يوم الجمعة، عندما خرج «الاخوان» المسلمون الى الشوارع في مظاهرات عارمة مقابل مظاهرة واحدة اقل عددا تناصر الحزب الوطني؟!

«موالاة مقابل معارضة»، و«حماس ضد فتح»، هذه تنويعات لنموذج واحد للتغيير في مصر والمنطقة العربية. قد يعترض بعضنا على التشبيه وعلى تنويعات النموذج، «فأم الدنيا» تصدر النماذج ولا تستوردها، ولكن اذا ما أمعنا النظر وأدركنا خطر النموذج البديل، ربما يكون أرحم كثيرا ان نتحدث عن مصر في سياق تنويعات النموذج الاول بعيدا عن أي حساسيات وطنية، فالنموذج المنافس هنا نموذج أخطر وأكثر سوادا، نموذج التفخيخ والتكفير والتفجير، ذات النموذج الذي يصدره الزرقاوي من العراق الآن، وكانت تصدره الجماعات المتطرفة في فلسطين في السابق.

النموذجان مختلطان في البلد الواحد تصديرا واستيرادا، فبينما نستطيع القول بأن لبنان صدر للعالم العربي نموذج مظاهرات المعارضة والموالاة، والذي رأيناه يعيد انتاج نفسه يوم الجمعة الفائتة في اكبر دولة عربية، وهي مصر، في مظاهرة الاخوان (معارضة) ضد مظاهرة الحزب الوطني (موالاة)، نرى لبنان الذي يصدر هذا النموذج السلمي والحضاري للاحتجاج هو ذات البلد الذي يستورد النموذج الهمجي والبربري المتمثل في التفخيخ والتفجير الذي بدأه الزرقاوي في العراق واستورده لبنان في حادثة جونيه الاخيرة.

استيراد وتصدير للنموذجين في ذات البلد، ترى اي النموذجين سيسيطر على مصر وعلى المنطقة؟!

التحليل بالتمني يقول ليت نموذج مظاهرات المعارضة والموالاة اللبناني هو الذي ينتشر، وليس كل ما يتمناه المرء يدركه كما تقول الكليشيهات.

هذا النموذج السلمي للتعبير لن يسود ولن ينتشر ليس لأننا نترك الباب مواربا ولا نستطيع ان نحدد خطابنا بوضوح، وهنا اضرب مثلا بالحالة المصرية التي ادعي معرفتها جيدا.

أزعم ان مجرد تشبيه مظاهرتي الاخوان والحزب الوطني في مصر، يوم الجمعة الفائتة بالنموذج اللبناني يثير الحساسية عند البعض في مصر.

فأول ردة فعل مصرية متوقعة هي ان «أم الدنيا» لا تستورد نماذج من احد، نحن نصدر النماذج، فكيف للبنان، تلك الدولة الهشة أن تعلمنا كيف نتظاهر، ونحن الذين تظاهرنا نساء ورجالا منذ ايام هدى شعراوي. اذن الرفض يأتي من حساسية موضوع التصدير والاستيراد دونما تمعن في حقيقة الامر، او التكلفة السياسية المصاحبة لتبني مثل هذا الموقف الرافض، موقف يرفض تظاهرات الاخوان السلمية ولا يدري انه بذلك يحتضن نموذج عراق الزرقاوي التفجيري. بالطبع هناك نموذج العراقي الديمقراطي المختلف عن عراق الزرقاوي، وهو ايضا نموذج مرفوض في مصر من كثير من مثقفي «الحنجوري»، لانه نموذج أمريكي قادم على ظهر دبابة، يرفضه حتى الاخوان انفسهم، رفض التغيير من الخارج.

الاخوان ايضا يرفضون تشبيههم بمظاهرات المعارضة في لبنان، لأن المتظاهرات في بيروت على وجه الخصوص، كن كاشفات عاريات ولم يضربن بخمرهن على جيوبهن، وأبدين مساحات غير قليلة من أجسادهن، ليراها الاجانب وغيرهم على الارض وعلى الشاشات. اذن هذا نموذج «انحلال وانحطاط»، الكلام ليس لي بالطبع. اذن الاخوان يرفضون طبيعة مظاهرات لبنان، المنفتحة اجتماعيا، وربما يفضلون الزرقاوي على هذا الانحلال.

قد يقبل الاخوان نتيجة في المنافسة بينهم وبين الحزب الوطني في مصر، اشبه بنتيجة الانتخابات البلدية في فلسطين والتي فازت فيها حركة فتح بحوالي ستين في المائة (60%)، مقابل ثلاثين في المائة (30%) لحركة حماس، وهي الحركة التي تمثل جناح الاخوان المسلمين في فلسطين، ولكن الحكومة ربما لا تقبل بهذا لسببين; السبب الاول ما زال هو سبب الشيفونية السياسية، فكيف للمحروسة أم الدنيا أن تتعلم السياسة من «شبه دولة» تحت الاحتلال؟! أما السبب الثاني فهو رفض مصر لقيام الاحزاب على اساس ديني. احد شعارات ومطلب مظاهرات الاخوان كان السماح للحركة بممارسة السياسة بشكل شرعي والسماح لها ببناء حزب خاص بها.

من المثير للدهشة ان الموالاة في مصر او الحكومة تتفاوض مع حماس في فلسطين، وترسل لهم الوزير عمر سليمان وتستقبل خالد مشعل في القاهرة رغم ان الجميع يعرف ان حماس اخوان والاخوان حماس ولا فرق بين مشعل والعريان، فكيف تضفي (الحكومة المصرية) على الحركة شرعية خارج الحدود وتحجب عنها الشرعية في الداخل؟!

برفض نموذج المظاهرات السلمية، وكذلك رفض نموذج معادلة حماس مقابل السلطة الفلسطينية، فان الحكومة تحتضن نموذج «الشهيد بشندي»، من حيث لا تدري. كذلك الاخوان برفضهم لنموذج لبنان وهجومهم الدائم على ديموقراطية الدبابة في العراق. خطاب الاخوان يندد ليل نهار بعدم شرعية نظام الجعفري ومن قبله علاوي، اذاً الاخوان ايضا يحتضنون نموذج بشندي والزرقاوي. «الشهيد بشندي»، لمن لم يتابعوا هو ذلك الشاب البالغ من العمر تسعة عشر عاما والذي فجر نفسه في الاجانب في ميدان الازهر، اقول «الشهيد بشندي»، لان بعض اعلامنا يسمي كل من يفجر نفسه بالشهيد، فلم لا يكون بشندي شهيدا ايضا؟!

حالة الماء العكر المسيطرة وخصوصا على الاعلام في مصر هي التي تجعل عملية الفرز بين نموذج الزرقاوي وبشندي ونموذج مظاهرات لبنان غير ممكنة.

لم أفاجأ اطلاقا بظهور حالات تفجير الذات بين المصريين اليوم والاسباب عديدة تحتاج الى مقال منفصل، ولكن هناك سببا رئيسيا وهو حالة التطرف التي بدت تسود الاعلام المصري وخصوصا المقروء منه، فلا يمكن لمصر ان تدعي انها تحارب الجماعات الاسلامية و«القاعدة» على الارض، وخطابها الاعلامي في كثير من الصحف المصرية اليوم، ولا اكون مبالغا، عندما اقول انه أقرب الى خطاب «القاعدة» وبن لادن منه الى الخطاب المتحضر. للمتشككين في هذه المقولة مراجعة المقالات في عشرات الصحف المسماة بالمستقلة في مصر، وحتى في الصحف شبه الرسمية.

ظاهرة تفجير الذات هي نتيجة طبيعية لما يقرأه الشباب اليوم في مصر في الصحيفة اليومية وفي الكتب الصفراء الملقاة على أرصفة الشوارع.

بكل أسف أنتج خطاب «الحنجوري» في مصر زعماءه، من الطبقة عالية الصوت، ولولا وجود سوق لمثل هذه السوقية والبدائية المتخلفة لما سادت لغة العنف. بشندي مجرم وضحية في ذات الوقت، هو ضحية لخطاب بدأ يتملك من كل صحف المحروسة ومن عقول الشباب.

أشرت في مقال سابق حول مصر الى أن موضوع المنافسة على قمة الهرم السياسي سيكون له نتائج انفلات غير محسوب، ونحن نرى الآن تلك النتائج غير المحسوبة وخصوصا بعدما جاءت قواعد الترشح للرئاسة في مصر مجحفة وغير مقبولة لكثيرين في المجتمع. النتائج غير المحسوبة تطل علينا الآن في مظاهرات الاخوان في الشوارع، ومظاهرات حزب الغد، ومظاهرات حركة كفاية، هذا هو النموذج السلمي، ولان المجتمع والدولة يرفضان النموذج السلمي بدعوى انه قادم من الخارج (لبنان أو أمريكا أو العراق)، فانني أضع يدي على قلبي وأنا أرى كل المؤشرات تشير الى تفشي نموذج بشندي/الزرقاوي، وهو ينتشر في أم الدنيا، في ظل حالة من الغموض ومسك العصا من المنتصف وخطاب إعلامي عكر.