استمرار أمراء الحرب

TT

مشكلة لبنان الأساسية هي عقلية زعمائه السياسيين الذين يتسم أكثرهم بالأنانية وحب الذات على حساب قضايا البلد. وهم إذا لم يجدوا شيئا يختلفون عليه اخترعوا قصصا صغيرة «وحرتقات» ما أنزل الله بها من سلطان لاستمرار خلافاتهم.

عاد العماد عون إلى بيروت وفرح كل محبي الحرية بهذه العودة، فالإنسان لا قيمة سياسية له خارج وطنه، ولكن كما يقول المصريون «يا فرحة ما تمت»، فزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي استبق عودة عون بوصفه بأنه «تسونامي»، محاولا التقليل من قيمته بالقول إن دم الشهيد الحريري وليس «العائد بعد الظهر» هو سبب الانسحاب السوري، وهو كلام تحريضي لم يكن السيد جنبلاط يحتاج إلى قوله، فالجميع يعلم أن مقتل الشهيد الحريري عجل بالتغيرات الهائلة التي حدثت في لبنان وأدت إلى الانسحاب السوري، ولكن ما الذي سيضر السيد جنبلاط لو أنه شكر العماد عون على دوره، سواء كان هذا الدور صغيراً أو كبيراً؟ وما الذي منعه من الترحيب بعودته من أجل خلق جبهة لبنانية واسعة لمواجهة المستجدات؟

من جهته، لم يكن العماد عون موفقاً في رده على كلام جنبلاط فليس من مصلحة القضية اللبنانية أن يكون دم الشهيد الحريري مادة للمزايدات السياسية، ولنتصور لو أن العماد العائد قال تعليقاً على كلام جنبلاط «سامحه الله»، أو لو أنه لم يرد على هذا الكلام لكان كسب الكثير أمام الناس.

الأمر نفسه حدث في البرلمان النيابي، فاللغة البذيئة والشتائم الشخصية سادت مناقشة قضايا جوهرية وأساسية وانتهت المسألة برفع الجلسة.

هناك حقيقة يجب أن تقال، وهي أن لبنان لن يدخل مرحلة السلم الاجتماعي ولا مرحلة التنمية، إلا إذا استطاع أن يخلق جيلاً سياسياً جديداً، فالزعماء الحاليون هم أنفسهم أمراء الحرب الأهلية أو امتداد لهم. والعقلية التي تتسم بالطابع الشخصي وبالطرح الطائفي لن تحل مشاكل لبنان. وهذه الصراعات المدمرة لن تقدم البلد إلى الأمام، رغم أن هناك فرصة نادرة وتاريخية أمام اللبنانيين وكل الخوف هو عدم الاستفادة منها.