حوار الإسلاميين وأمريكا: ما الذي تغير..!؟

TT

اللجوء إلى الحوار بديلا عن الصدام والمواجهة في أي صراع مع قيمته كفعل سياسي، إلا أنه يستحضر في الذهن سؤالا مبدئيا لا بد من طرحه. من هو الطرف الأفضل حالا لتحقيق مكاسب أكبر في الحوار. الإشارات الغربية والأمريكية الأخيرة التي ترحب بالحوار مع الإسلاميين في العالم العربي تبدو أفضل من مبدأ المواجهة وعدم الاعتراف بهم. مثل هذا النوع من الحوارات ليس جديدا على منطقتنا، فلقد ظل الاتصال الغربي بجميع الأطراف والتيارات الداخلية والقوى حتى المهمشة في العالم العربي، جزءا من نشاطها السياسي في المنطقة، العلني وغير العلني وتاريخ القرن الماضي شاهد على ذلك. فمن هو الطرف الأقدر على تحقيق مكاسب هذا الحوار في المستقبل..!؟

زمن ما بعد سبتمبر قدم الكثير من المتغيرات الكبرى، مما يجعل أطراف الحوار في وضع مختلف جذريا. هذه الإشارات لقبول الحوار تأتي بعد أكبر حملة تقوم بها أمريكا وحلفاؤها وما زالت في مطاردة من ترى أنهم من المتمردين الإسلاميين في العالم، والدخول في خصوصيات وتفاصيل هذه الحركات، ومراقبة مالية دقيقة، جندت من أجلها دولا وحكومات، وقوائم تتزايد في ملاحقة المشتبه فيهم. وأصبح الخطاب الإسلامي متهما وتحت عين الرقيب، وحتى الخطاب الوعظي المحسوب على الحكومات والتدين الشعبي. ولا نلمس بعد ملامح نهاية هذه الحملة الطويلة، فالجهد الغربي الذي لا يجد أمامه أولية أخرى تعادل هذه الأولية في متابعة هذه البقعة من العالم التي يرى أنها عجزت عن اللحاق بموجة الحداثة، بعد تراكم فشلها التنموي. وأصبحت ثقافتها جزءا من هذه الأزمة ومتهمة في هذه الحملة الفكرية والعسكرية.

لا نحتاج إلى جهد كبير في إثبات أن العالم العربي وليس الإسلاميين وحدهم في حالة ارتباك نفسي وضعف داخلي تاريخي، وقدمت حادثة سبتمبر نكسة أخلاقية تضاف إلى نكسات حضارية وتحديثية في أغلب البلاد العربية.

كثير من المثقفين يظنون أن صدمة العقل الغربي من الحدث ذاته فقط، والذي أقدمت عليه فئة قليلة ومحدودة تمردت على الأخلاق والقيم الإنسانية، ومن ثم يجب وضعه في هذا الإطار الضيق ولا يعمم على المجتمعات العربية. فالمنطق العقلي يقول ذلك خاصة أن تفاصيل تشكل هذه الفئة الإرهابية لا تبرئ الطرف الغربي والأمريكي من ذلك، لكن الأزمة التي جيشت فلاسفة وباحثين كبارا في العالم وأخرجتهم من عزلتهم البحثية، للتعرف على هذه الثقافة من جديد، ليست الحدث ذاته فقط، وإنما ما صاحبه من بعض ردود الفعل وبعض الابتهاج العربي الشعبي الذي لمسه العالم، ولا يمكن إخفاء بعض ملامحه في حينها. فقد صدم العقلاء والمعتدلون في منطقتنا حينما اكتشفوا أنهم بحاجة إلى جهود كبيرة في إقناع جمهور ليس بالقليل في بشاعة ما حدث دون تفاصيل مملة وجدل متشعب في الأيام الأولى من الحدث. وغالط الكثير من المثقفين العرب أنفسهم عندما حاولوا إخفاء هذه المشاعر وإنكارها، ولولا الخوف من القوة الأمريكية في ذلك الوقت لرأينا تعبيرات أكثر وضوحا.

ومع ذلك فهذا الحدث في حقيقته اضعف الطرفين الإسلامي والغربي، مما جعل الكثيرين منهم يرون ضرورة إعادة مواقفهم وخطابهم ورؤيتهم للآخر، لكن الطرف الغربي يملك مقومات كثيرة تجعله الأقدر على فرض خياراته وأسلوب التغيير في المرحلة القادمة، ولهذا يطلب الحوار ويدعو له، فلديه الإمكانيات لتحجيم أي تمرد إسلامي. هذا الحوار ربما لا يقدم للإسلاميين مكاسب حقيقية في مواجهة الأمريكيين إلا أنه سيجعل لهم قيمة داخلية عند الأنظمة العربية، وستفرضهم كرقم صعب في المعادلات السياسية الداخلية.

إن مثل هذا النوع من الحوارات واللقاءات مع الدول الغربية في حقيقته يطرح إشكالا سياسيا، فهو يدخل في إطار حوار الدول والأنظمة الأخرى مع منظمات ومعارضات داخلية مشروعه أو غير مشروعة في البلاد العربية، فكيف يمكن تحديد طبيعة ومشروعية مثل هذه الحوارات دون الدخول في شبهة الخيانة السياسية. ومما يوحي بالحذر من ذلك، إشارة المرشد العام للإخوان المسلمين مهدي عاكف في حوار له بجريدة «الرياض» في الأسبوع الماضي 4 مايو 2005 حينما سئل عن نيته في مقابلة أي مسؤول أمريكي وأشار إلى أن ذلك سيكون عن طريق الخارجية المصرية.

هذا التحول الأمريكي الذكي إلى الحوار بعد أن أصبحت محاربة الإرهاب وملاحقته في كل مكان من العالم جزءا من ثقافة العالم، وغير قابلة لمعارضة أي طرف وإلا أتهم فيه. حيث سيحقق لهم هذا الحوار أهدافا متعددة ويشكل عامل ضغط على كل الأطراف والأنظمة العربية. لكن مشكلة المثقف العربي تبدو عادة في تصوير نفسه بأنه أذكى من كل السياسات الأمريكية، فأمريكا دائما غبية في نظرهم حين تلجأ للقوة أو للحوار، فإذا لجأت للقوة تحدث عن غباء الديناصور وأهمية الحوار، وإذا لجأت للحوار تحدث عن الحيل الأمريكية. وظن أحد الكتاب أن المقصودين بالحوار هم العلمانيون وأشباههم، فمن العجيب أن أقرأ لكاتب عربي قدير يعلق على هذه الإشارات الغربية للحوار بأنها في العنوان الغلط، بعد ما أشار إلى تقرير مؤسسة «راند» المعروف والذي تضمن التقسيمات الشهيرة في النظر للمسلمين: إلى مسلمين أصوليين، ومسلمين تقليديين، ومسلمين حداثيين، ومسلمين علمانيين. ومع أنه من أفضل التقسيمات المعبرة عن واقع المسلمين التي قدمت في السنوات الأخيرة من جهات غربية، وخطورتها في دقتها المحرجة للكثير من العرب، ومع هذا يتوقع البعض أن الأمريكيين لا يدركون من هم الإسلاميون ومواصفاتهم.

وهناك أطراف ليبرالية عربية أيضا تبرعت بنصائحها واتهمت الطرف الغربي أيضا بالغباء بعدما سمعت بهذا الحوار وكأن أمريكا لا تعرف مصلحة نفسها، وتحتاج للاستماع لهم..!؟

بالنسبة للإسلاميين يأتي هذا الخيار في زمن لا تزال مراجعات الخطاب الإسلامي في طور التشكل بعد أن اكتشف الكثير من عيوبه، وحاجتهم تتزايد للحوار مع أنفسهم ومجتمعهم قبل الحوار مع الآخر. ومع أن التيار الإسلامي أبدى تقدما في خطابه الخارجي إلا أنه ما زال محافظا على نمطه في التوجيه الداخلي، فمن خلال استشهادات متعددة يرى أوليفيه روا «أن الحركات الإسلامية الكبرى قد تخلت عن طابع الصنف السياسي وأخذت منحى وطنيا أكثر منه إسلامويا، لكن برنامج سياستها الداخلية لا يزال محافظا»، هذه الازدواجية كخلل داخلي قديم مع ضريبة مرحلة ما بعد سبتمبر والتي جاءت بالأمريكان إلى المنطقة، وفرض شروطها الإصلاحية.. ستجعل الغرب وأمريكا أقدر على كسب الحوار مع أي طرف، فالإسلاميون لن يكونوا أفضل حالا من الحكومات العربية في مشوار البحث عن خسائر أقل، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه..!