الأمن القومي العربي والقنبلة الإيرانية

TT

أمن أية دولة غير عربية في الشرق الأوسط هو أن لا يكون هناك أمن عربي وطني أو قومي. الدجاج العربي لا يكف عن الحديث عن السلام، فيما الديك الإسرائيلي يضع المنطقة كلها تحت رحمة قنبلته النووية، ولا يقبل بدولة فلسطينية إلا إذا كانت محيَّدة بلا سيادة وبلا أمن.

إذا كان الديك الإسرائيلي يبيض كل سنة بين ثلاث وخمس بيضات نووية، ويحتضن منذ الستينات مائتي بيضة أخرى، فهناك ديك آخر يطل على الدجاج. الديك الإيراني «يتناقر» مع الديك الإسرائيلي، متوقعا أن يبيض بيضته المخيفة قبل نهاية العقد الحالي.

منذ السادات، وضع العرب بيضهم في السلة الأميركية. الديكة هي التي تبيض في هذا العصر العربي، فيما الدجاج بات عقيما! إسرائيل، حسب نشرة «ايرو سبيس دايلي» الأميركية، نشرت منذ عام 1985 صواريخ أريحا النووية في الجولان والنقب، متخلية عن تعهدها بأن لا تكون الدولة التي توجه «الضربة الاستراتيجية الأولى». وهذا يعني انها تحتفظ بسلاحها النووي مهيأ ومستنفرا للتدخل، حتى ولو لم تتعرض لهجوم عربي أو إيراني بأسلحة نووية أو كيماوية وجرثومية.

اذا كان العرب من الخليج إلى ليبيا، ومن سورية إلى السودان مهددين بالقنبلة الإسرائيلية، فهل القنبلة الإيرانية تشكل أيضا تهديدا لهم؟

العرب لم يعتبروا القنبلة الباكستانية (السنية)، ولا حتى الهندية (الهندوسية) تهديدا أمنيا لهم، ولا يتصورون أن قنبلة إيران (الشيعية) ستلقى على رؤوسهم، باعتبار أنها في التحليل الأخير قنبلة إسلامية «صديقة». لكن ألم تستخدم إيران الخميني يوما الصواريخ لقصف بغداد؟ وألم تستخدم الغاز السام لحقن القوات العراقية على أكثر من جبهة قتال؟

لا شك أن إيران التي جعلت اللغة العربية إلزامية في مدارسها، لم تكن لتستعمل الصواريخ والغاز ضد العرب، لو لم يكن صدام قد استعملها أولا. هنا يجب أن نتصور أن مجنونا آخر كصدام أو مهووسا (سنيا) كابن لادن أو الزرقاوي يمكن أن يستخدموا موادَّ أو قنبلة نووية مسروقة أو مشتراة لتفجيرها في إيران، ويجب أن نتصور ان إيرانيا تتملكه غريزة الانتقام كالخميني، قد يرد بالرد ذاته، إذا كان يملك سلاحا نوويا.

لا أسنان نووية للعرب، لكن حيادهم النووي لن يحميهم على الأرجح من أسنان إسرائيل وإيران النووية. عندما تجاوزت الدبابات السورية الجولان في حرب 1973 ونزلت إلى الجليل بلا أوامر، أبلغت إسرائيل أميركا انها ستحمل صواريخها برؤوس نووية مهددة بضربة وقائية.

أعتقد ان حربا عربية ـ اسرائيلية مستبعدة في المستقبل المنظور، لكن اية حرب في المستقبل الأبعد قد تنقلب الى حرب بالاسلحة الاستراتيجية اذا خسر احد الجانبين معركة التكافؤ بالاسلحة التقليدية. في عام 1987، كتب المعلق الاميركي (اليهودي) ستيفن روزنفيلد في «واشنطن بوست» داعيا اميركا الى التعجيل بتسوية للصراع العربي ـ الاسرائيلي، محذرا من وصول آرييل شارون الى الحكم، واضعا يده على الزر النووي. وها هو تحذيره قد تحقق، فيما تبقى التسوية أسيرة المجهول.

ظل شعار «التقنية النووية من اجل الاغراض السلمية» مرفوعا للخداع، الى ان باضت اسرائيل والهند وباكستان بيضها النووي. وها هو رجل السلام خاتمي يرفع الشعار الى ان يبيض خأمنئي البيضة المنتظرة. رفسنجاني ينفي ان ايران تعتزم تدمير اسرائيل بالقنابل النووية، وهو في أهبته للعودة المرجحة للرئاسة في انتخابات يونيو المقبل يشكل افضل ضمان ايراني لسلام حذر مع اميركا واسرائيل والعرب، لا سيما ان احد انجاله كان ممثل شركة كونوكو الاميركية في الخليج.

غير ان رجلا في غريزة شارون اللاسلمية قد يكون مستعدا لتوجيه ضربة وقائية لايران قبل او بعد البيضة النووية. اذا ردت ايران، فالعرب ولا سيما حلفاء ايران كسورية اليوم، وربما العراق غدا، مرشحون للاستهداف النووي الاسرائيلي مع ايران.

اوروبا واميركا في سعيهما لثني ايران عن مشروعها النووي، تتذرعان بأن ايران دولة «مارقة». يعني انها قد تستخدم اسنانها النووية فجأة وبلا عقلانية. تُرى هل اسرائيل التي فكرت باستخدام سلاحها النووي فعلا لحماية احتلالها لأراضٍ عربية دولة عاقلة؟ في هذيانها الخائف من النووية الايرانية، قد تلجأ اسرائيل الى استخدام مدفعيتها النووية الميدانية (قنابل تكتيكية صغيرة) في قصف لبنان او سورية من مواقعها الحالية في شرق الجليل، اذا اطلق «حزب الله» صواريخه الايرانية باتجاه العمق الاسرائيلي.

لقد نشرت ايران منظومة صاروخية بحرية وجوية على طول شواطئها الخليجية وفي الجزر الاماراتية التي تحتلها، وربما تدعمها غدا بصواريخ شهاب 3 و4 القادرة على الوصول الى اسرائيل محملة بالقنبلة المنتظرة. ايران تقول للعرب ان هذا الحشد الصاروخي ليس تهديدا لهم، وانما هو ضد اسرائيل. خأمنئي قال في قمة طهران الاسلامية ان فلسطين مسؤولية اسلامية وليست عربية فقط. في ضيق أفق المؤسسة التيوقراطية الحاكمة، فقد تفكر بقصف اسرائيل نوويا، ظنا ان قنبلة او قنبلتين كافيتان للقضاء عليها.

هذا الوهم «الاستراتيجي» الخادع قد يعرض العرب الى رد انتقامي فوري من صواريخ كرويز النووية التي ربما تحملها الغواصات الاسرائيلية في شرق المتوسط والبحر الاحمر، وهذا يعني ايضا ان الساحل الخليجي المقابل للساحل الايراني معرض للاصابة المباشرة، او على الاقل، للاشعاعات النووية الناجمة عن القصف.

في هوس اسرائيل المحموم بالأمن، فقد اشترت في أضيق نطاق من العلنية مائة طائرة إف 16 من اميركا كلينتون وبوش. هذه الطائرات قادرة على حمل واسقاط قنابل نووية. ربطت أميركا اسرائيل منذ عام 1997 بأقمار التجسس والانذار المبكر، وربما تسمح لها بتحميل اقمار المستقبل الاميركية قنابل نووية محلقة في الفضاء وجاهزة للاستعمال، وطورتا معا صاروخ آرو المضاد للصواريخ النووية. أما روسيا فقد أكدت منذ منتصف الثمانينات ان اسرائيل أجرت تجارب نووية في باطن صحراء النقب.

لعل احد اسباب سقوط بوش الأول محاولته فرض رقابة اميركية على برنامج التسلح النووي الاسرائيلي. اميركا التي تسلح اليوم اسرائيل بأحدث الطائرات وبقنابل الأعماق، فقد تسمح لها بقصف مراكز ايران النووية، انطلاقا من قواعدها في العراق او الخليج او افغانستان. وها هي ادارة بوش تطلق يد البنتاغون والمخابرات للقيام بعمليات سرية داخل عشر دول، بينها ايران، لمهاجمة مواقع «ارهابية»، او لتحديد المراكز النووية.

أقول اذا كان هناك تفكير استراتيجي عربي، فلعله حكيم وصائب في عدم اللجوء، الى الآن، الى الخيار النووي، باعتبار ان استخدامه ضد اسرائيل لا يقي من رد انتقامي مماثل، مضافا الى ذلك ان القنبلة العربية او الايرانية تعرض للفناء 4.5 مليون فلسطيني في الأراضي المحتلة. لا أثير موضوع المشروع النووي الايراني لـ «تخويف» العرب، أو لحثهم على اقتناء القنبلة النووية، حتى ولو اقتنتها ايران. ما زلت أؤمن، على الرغم من التخلف العربي، ان للعرب رسالة حضارية وانسانية تسمو فوق كل تهديد لأمنهم القومي الوطني. لكن الى متى؟ هل السلاح الاستراتيجي الكيماوي والجرثومي الذي يملكه العرب فعلا، رادع حقا لاسرائيل او لايران؟

ما من جواب. فأهل الكهف نائمون، وهم يظنون ان فلسفة العيش في الكهوف والخرائب والمغاور كافية للحماية وللوقاية، ولا ضرورة لازعاج المتفاوضين والمساومين، بمجرد السؤال عن الأمن العربي المستباح والمهدد، قبل الأمن الاسرائيلي والايراني.