حقوق النساء في الكويت... الضوء ما زال شاردا..!

TT

تحولت الحقوق السياسية للمرأة الكويتية الى كرة يتقاذفها اللاعبون من الرجال هناك.

شيء غريب فعلا، الكويت التي بدأت تجربتها النيابية والدستورية بشكل رسمي منذ 1963 الى يومنا هذا، ما تزال «تنتظر» نضج الظروف حتى تحصل المرأة على حقوقها!.

في حين أن دولا خليجية نظيرة للكويت بدأت تحقق خطوات هامة على هذا الصعيد، ووصل الأمر في دولة الامارات الى تعيين امرأة، وهي السيدة لبنى القاسمي، وزيرة للتجارة.

مع انني لا افرح كثيرا بهذه التعيينات الظاهرة على صفحة الماء، ففي عمق البحر الاجتماعي يصنع حق المرأة، لا في السطح السياسي! وهذه نقطة سأمر عليها آخر المقال.

لكن لنعد الآن الى تسلسل حديثنا.

ما ليس بجديد، هو أن من يعيق حصول المرأة على حقوقها في التصويت او الترشيح لمجلس الامة، هم الاسلاميون والمحافظون التقليديون اجتماعيا. وانهم لم يكتفوا بمنعها من مجلس الامة، بل عطلوا إمكانية حصولها على هذا الحق في المجلس البلدي أثناء التصويت على القانون في الأيام القريبة الماضية.

ما يدخل في «الجديد» لدى البعض، هو موقف الحكومة الكويتية، التي قامت بحملة مشهورة الاشهر الماضية من أجل دعم حق المرأة السياسي، وكتب رئيس الحكومة مقالا ضمن حملة التوعية هذه لإقناع الشارع الكويتي بوجوب منح المرأة حقها، تضافر مع ذلك، او سبقه، حث أمريكي للكويت على تسريع هذه المسألة. لكن وبعد كل هذه الجلبة، لم تحصل المرأة على طحين حقها!.

موقف الحكومة أصبح مثارا للجدل والتساؤل، فمثلا، إذا كانت الحجة الرسمية الدائمة هي ان الإسلاميين «الرجعيين»، ومحالفيهم من التقليديين، هم من يعيق هذا الحق، وهذا في المجمل صحيح، فماذا عن موقف حزب الأمة السلفي «المحظور»، والذي أعلن صراحة تأييده لحق المرأة السياسي، وانه يعتبر ذلك مباحا شرعا، وليس بمحرم؟! وكذلك موقف لجنة الفتوى في وزارة الاوقاف الكويتية، التي أرجعت الأمر لولي الأمر، وقالت «إنه بسبب الطبيعة الخلافية للموضوع، فإن الأمر يرجع إلى حاكم البلاد لتسوية أي نزاع».

يقول لي الدكتور ساجد العبدلي، أحد مؤسسي حزب الأمة، وهو إسلامي أصيل، انهم اتخذوا موقفا مؤيدا لحق المرأة، حتى يغلقوا هذا الملف الذي بقي يلاحق الإسلاميين طيلة أمد معركة حقوق المرأة. معتمدين في ذلك على وجهة نظر فقهية معتبرة.

وقال: «نحن أصدرنا موقفنا الشرعي والسياسي، وفي قرارة أنفسنا ندرك أن الحكومة لن تفعل هذا الحق، بسبب معرفتنا ان دخول الصوت النسائي الى سوق الانتخابات سيصب في سلة الاسلاميين، الأمر الذي سيزيد نصابهم في مجلس الأمة، وبالتالي يقلل من سيطرة الحكومة على البرلمان».

ولكن في المقابل، وبخلاف موقف العبدلي، نجد إسلاميين آخرين، يعارضون بشدة هذا الحق، ويسعون لإفشاله بكل الطرق، ومن هؤلاء النائب الاسلامي فيصل المسلم الذي قال في برنامج تلفزيوني، ندرك ان اصوات النساء ستكون لصالحنا، ولكننا لسنا طلاب مصالح، بل أتباع مبادئ، ودخول المرأة الى البرلمان محرم شرعا.

هكذا قال فيصل المسلم، وهكذا تحدث إسلاميون آخرون، خصوصا من تيار الاخوان المسلمين، ولكنني، وأصدقكم القول، بقيت في حيرة من أمري: إذ كيف يكون السلفيون «جماعة ساجد العبدلي وحزب الامة» أكثر تقدما من الاخوان في مسألة المرأة، والاخوان كما هي الصورة العامة عنهم، ويحرصون هم على ترويجها، أكثر انفتاحا على المستوى الاجتماعي والفقهي، من بقية التيارات الاسلامية؟!.

مرة أخرى سألت ساجد العبدلي، فقال لي: «ببساطة هناك اعتبار سياسي أكبر يفسر الموقف الرافض للاخوان، فهم، والحديث للدكتور ساجد، يرون أن قواعدهم الانتخابية الشعبية، خصوصا في المناطق الخارجية ذات التكوينات القبلية المحافظة، ترفض منح المرأة حقوقها السياسية، اضافة الى انهم يستندون الى اجتهاد فقهي موجود يحرم هذا الحق على المرأة».

لكن ألا ينطبق ذلك على جماعتكم، سألت ساجدا، فقال: نحن بدأنا اللعبة (من أول وجديد)، وبالتالي فلم تتكون قواعد ضاغطة علينا حتى الآن، نحن أكثر تحررا في تحركنا السياسي.

والحق ان الخلاف الذي أشار اليه في مسألة منح المرأة حق التصويت او الترشيح للبرلمان، هو خلاف فقهي حقيقي، إذ يوجد من يعتبر المرأة جديرة بكل المناصب السياسية، ماعدا منصب الخلافة الكبرى (اين هو الآن ؟!)، وهناك من يعتبر حتى حصول المرأة على مقعد في المجلس البلدي، جزءا من الولاية العامة المحرمة عليها.

من يريد ان يتقدم ويتحضر، فلديه سند فقهي ودراسات جادة، تبرهن على جواز حصول المرأة على هذا الحق من الناحية الدينية، ومن يريد ان يتأخر ويعيق، فلديه سند ايضا من الرأي الفقهي، وفي النهاية نحن من يقرر الاختيار، فالنص لا يريد منا شيئا، نحن من نريد منه.

وتحضرني هنا مفارقة غريبة، فقد كان إسلاميو الكويت يقاتلون من أجل منح المرأة المنقبة الحق في قيادة السيارة، حينما طرح في لحظتها عدم توفر الشروط المرورية في قيادة المنقبة للسيارة، اضافة لاعتبارات اخرى، الاسلاميون اعتبروا ذلك تمييزا ضد المنقبة، وشنوا المعارك من أجل حق قيادة السيارة، بينما الاسلاميون والمحافظون في جارتهم السعودية، يعتبرون قيادة المرأة للسيارة، منقبة ام غير منقبة، خطيئة وإثما من عمل الشيطان.

هنا حق يطالب به إسلاميا، وهنا إثم يمنع منه... إسلاميا ايضا!

وفي النهاية، هي لا هذا ولا ذاك، انها اعتبارات اجتماعية او سياسية، تتحكم بنا من دون ان نشعر بها، او من دون ان نريد الشعور بها!

الحجة الرئيسية التي بنى عليها الرافضون لحق المرأة السياسي، هي الحديث النبوي «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، رواه البخاري.

وشارح البخاري ابن حجر العسقلاني يذكر ما خلاصته أن هذا التعليق النبوي، جاء بمناسبة تعيين ابنة كسرى بوران. اي انه تعليق يحمل طابعا تحليليا لمستقبل الدولة الفارسية في ذلك الظرف وفي تلك الحالة، وإلا فإن القرآن يذكر عن ملكة سبأ ويثني عليها.

بكل حال، الجدل الفقهي غزير ومتاح... والقصة ليست هنا، القصة في الاستثمار السياسي للمسألة.

سألت إقبال الاحمد، وهي إعلامية وناشطة كويتية عن رأيها في موقف الحكومة الكويتية من حق المرأة السياسي، فانتقدت بمرارة ذلك الموقف، وقالت: لماذا تغيّب بعض اعضاء الحكومة عن جلسة التصويت على حق المرأة في الانتخابات البلدية، وبالتالي فشل تمرير القانون؟.

وتدافع عن أحقية المرأة الكويتية في الوصول الى قبة البرلمان، ولا تخاف من إمكانية تضاعف الصوت الانتخابي الذي سيحصل عليه الاسلاميون، خصوم الحقوق المدنية للمرأة، وتتساءل: هل نجلس هكذا حتى يأتي يوم يتغير فيه الرجل الكويتي أو المرأة الكويتية فجأة، ويصبحان أكثر نضجا ووعيا، انني اراهن على التجربة، فكما كان الرجال في بداية التجربة البرلمانية يتعلمون، فليتيحوا لنا فرصة التعلم ايضا.

هكذا تقول، أما رأيي الشخصي، وربما يغضب بعض النساء أو المناصرين لهن، فهو انني غير متحمس لهذه المسألة!. فالسؤال الذي يحاصرني: هل وصول المرأة للبرلمان هو مسبب لديناميكية حديثة في المجتمع، كما هو رأي أصحاب نظرية: دع التجربة تصحح نفسها بنفسها؟ أم أن هذا الوصول هو نتيجة لديناميكية سابقة، اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، تتوج بالحق السياسي الكبير.

دعوني أسأل بطريقة أخرى: هل يعكس وصول المرأة في اليمن، مثلا، الى البرلمان، واقعها ودورها وحجمها الحقيقي في المجتمع، ام انه مجرد قشرة رقيقة لزوم الديكور، والقول بأن لدينا امرأة تمارس حقها السياسي؟

المسألة في تقديري تنتهي بالوصول لقبة البرلمان، ولا تبدأ بها...

ولتعذرنني السيدات العربيات اللواتي أحترم وأقدر حركتهن... وأتمنى نجاحها بشكل حقيقي، لذا أطلب لها رسوخا وصدقا، مثل سنديانة عتيقة...

[email protected]