عن العراق.. حدّث ولا حرج..!

TT

قد يكون أفضل لو أن بوش الابن بقي على تماس مع أبيه الواقعي. فمنذ البدء كانت الحرب في العراق تمرينا في مجال الجنون المتطرف، مغامرة عبثية كانت تحمل في طياتها إمكانيات كوميدية كثيرة، ويعرف العالم الآن أن حكاية أسلحة الدمار الشامل لم تكن سوى تلفيق. وما هو غير معروف كثيرا هو حالة المسؤولين المتلعثمين في إدارة بوش والذين صدقوا هذيان ذلك المصدر الأجنبي المعروف، ويا للعجب، باسم مستعار هو «كيرف بول» (المخادع)، فهذا الشخص ساعد على الترويج لأسطورة تقول إن العراق كان لديه مختبرات متحركة لصنع أسلحة بيولوجية.

من جانب آخر، كانت الـ «سي.آي.أيه» قد تلقت تحذيرا يقول إن «كيرف بول» شخص أحمق مثل شخصية بيتر سيلرز، لكن إدارة بوش كانت تريد هذه الحرب بنفس الطريقة التي يريد بها طفل الشوكولاته. وهذا ما جعل المعلومات التي قدمها «كيرف بول» (أو المخادع) سهلة الابتلاع من قبل المسؤولين الحكوميين الكبار. فمنذ بدء الحرب كان الأشخاص الهواة وعديمو الكفاءة وراء دفة قيادتها، وظلت الأوهام تغلف الخلفية بضباب سميك في كل مرحلة منها. وإذا تقرر إنتاج فيلم عن الحرب، فإن المخرج المناسب سيكون «ميل بروكس». وحتى حينما كانت إدارة بوش تصغي لأفراد مثل «المخادع» قامت بطرد رئيس هيئة الأركان الجنرال اريك شينسكي الذي ارتكب خطأ التحدث عن الحقيقة بصراحة تامة لمسؤولين. قال شينسكي إن تحقيق تهدئة للعراق يتطلب مئات الآلاف من الجنود، وكان هذا كافيا كي يفقد وظيفته.

بدلا من ذلك، أرسل بوش وشركاؤه عددا أقل بكثير عما طلبه رئيس هيئة الأركان السابق، والكثير منهم لم يتم تدريبهم تدريبا مناسبا ولم يتم تسليحهم تسليحا مناسبا. كانت القنابل المزروعة على حافة الطرق هناك سببا للخسائر البشرية بين الجيش الأميركي بنسبة 70%. ولم تكن القيادة العسكرية مهيأة لهذا التكتيك وهي تمتلك سجلا تعيسا في مجال توفير الدروع لمصفحات الهومفي والعربات الأخرى، ولذلك ظل جنود أغنى وأقوى أمة شهدها تاريخ العالم يُقتلون بسبب أن دولتهم لم تعطهم عربات قتال حديثة.

أما بالنسبة للتدريب والاستعداد، فإن فضيحة أبو غريب هي مثال توضيحي جلي عن النواقص في هذا الحقل. والمشاكل تتجاوز كثيرا تلك الصور التي تظهر ليندي إنغلاند وآخرين وهم يقومون بإذلال العراقيين الواقعين تحت سلطتهم. عرفنا في الأسبوع الماضي أن الجنرال جانيس كاربينسكي التي كانت ترأس وحدة الشرطة العسكرية المسؤولة عن السجن قد تم توقيفها في عام 2002 بولاية فلوريدا بسبب سرقتها من محل في قاعدة عسكرية هناك. فماذا نقول إذا كان نفس الجيش الذي ظل يقلّب أرض العراق بحثا عن الإرهابيين، فإنه في الوقت نفسه لم يكن يعرف عن اعتقال المرأة التي عيِّنت لاحتلال منصب حساس كهذا!.

تجد الولايات المتحدة نفسها متورطة في حرب ما كان عليها أن تبدأها. فالعنف يستمر بانفلاته. وآخر وهم يخامر واشنطن هو أن تصبح الوحدات العراقية فجأة وعن طريق المعجزة قادرة على السيطرة وتحقيق النصر في حرب فشلنا نحن في تحقيقه فيها.

أصاب الجمهور الأميركي وعن حق الملل، حيث راح دعم الحرب يتضاءل وسمعة القيادة العسكرية في وضع لا تحسد عليه.

في الأسبوع الماضي، قال ريتشارد مايرز، رئيس هيئة الأركان في الكونغرس، إن الحرب في العراق بدأت تترك آثارها على الجيش وستجعل من العمليات القتالية في أمكنة أخرى من العالم أكثر صعوبة. وهذه ليست بأي حال من الأحوال فكرة مريحة، خصوصا مع تصعيد إدارة بوش من نبرتها الحادة حول كوريا الشمالية.

لو أن بوش استشار أباه قبل البدء بحربه الكارثية والتهريجية لكان من المحتمل أن يحصل على نصيحة تدفعه باتجاه آخر ووفر على بلده ـ وعلى الآلاف من أسَر القتلى ـ الكثير من الأسى.

* خدمة «نيويورك تايمز»