منابر السادات .. وتعديلات مبارك

TT

عندما اعلن الرئيس المصري الراحل انور السادات في عام 1976 انشاء المنابر السياسية في مصر بعد فترة طويلة من التنظيم السياسي الواحد الممثل في الاتحاد الاشتراكي لم يكن في ذهنه كما يبدو عند تشكيل المنابر الثلاثة (وسط ويمين ويسار) التفكير في الانتقال السريع الى نظام الاحزاب. ولكن بعد فترة قصيرة لم يلبث ان اعلن ان المنابر تحولت الى احزاب فعلية ودعاها الى التحول الى احزاب وسن قانون جديد، ثم بدأت الكرة تتدحرج وحدها خارج إطار ما كان مخططا لتخرج قوى سياسية مثل حزب الوفد الجديد الذي وصلت المصادمات معه الى حد تشبيه السادات زعيمه فؤاد سراج الدين بانه مثل لويس السادس عشر العائد من عالم قديم.

وتظهر التجربة وقتها ان الحراك السياسي، منذ قرار إنشاء المنابر ثم التحول الى احزاب والصدام المؤقت مع الدولة، الذي سبق حادث المنصة، اكتسب قوة دفع وميكانيكية حركة ذاتية رغم ان القرار كان حكوميا في الاصل، وربما كانت ستأخذ شكلا آخر اكثر نضجا لولا التداخل الذي حدث من قبل جماعات العنف الاصولية التي ادخلت البلاد في موجة عنف دموية.

ومثل ما حدث عند فتح الباب لإنشاء المنابر، فتح قرار الرئيس مبارك بتعديل الدستور لالغاء الاستفتاء واجراء انتخابات رئاسية تعددية لاول مرة الباب امام قوة دفع وميكانيكية خاصة بالحراك السياسي في مصر نراها في التطورات الحادثة والشد والجذب على الساحة السياسية الحاصل حتى قبل ان يقر التعديل من قبل البرلمان وتعرف صيغته النهائية. ويبدو ان التفكير الرسمي هو ان يكون التعديل تأسيسا للمستقبل بحيث تأخذ التجربة وقتها ومداها لتنضج، ولكن قوة الدفع الذاتية كما يظهر تدفع التطورات السياسية بسرعة اكبر مما كان متوقعا من خلال التظاهرات التي اصبحت تنظم في الشارع المصري والتي بدأتها حركة «كفاية».

وبعد تردد دخل «الاخوان المسلمين» الذين عادة ما يوصفون بانهم قوة المعارضة الرئيسية في الشارع، لكنهم غير مرخصين كحزب، على الخط هذه المرة متأخرين لينزلوا الى الشارع ايضا في تظاهرات مغامرين بصدامات حاولوا تجنبها في السنوات الماضية مع الدولة، وهم من خلال حركتهم وتظاهراتهم وشعاراتهم التي حاولوا فيها بقدر الامكان تجنب صدام مفتوح يبدو ان الدافع الرئيسي لهم هو الخوف من ان تسحب حركة «كفاية» او احزاب اخرى السجادة من تحت اقدامهم، خاصة انهم فقدوا المبادرة في الدعوة الى تعديل الدستور, ويريدون اظهار انهم القوة المعارضة السياسية الرئيسية البديلة في التركيبة المصرية، وذلك في محاولتهم الصعبة والمثيرة للجدل للحصول على حق ان يصبحوا حزبا سياسيا.

ومع كل ذلك فان المعطيات تجعل من الصعب التفكير في رؤية تغيرات دراماتيكية على الساحة السياسية من الان وحتى الانتخابات الرئاسية لأن القوى السياسية تحتاج الى وقت لتبلور نفسها، والمرجح ان ما يحدث الان هو تسخين ومعركة اثبات وجود متشجعة بالتعديل الدستوري لمرحلة ما بعد انتخابات الرئاسة لتأخذ الامور شكلا اكثر سخونة بكثير في الانتخابات البرلمانية المقبلة والتي يمكن ان تسهم، لو أريد، في تشكيل وتحديد الوزن الحقيقي للقوى السياسية في الساحة المصرية.