تحولات لبنان.. تلفزيونيا

TT

تتفاوت مواقف اللبنانيين حيال ما تبثه شاشاتهم التلفزيونية المحلية أخيراً.. فتغيرات المشهد اللبناني الذي كرسته الصور المبثوثة عبر الأثير تبدلت سريعاً ومعها المواقف والقناعات. اللبنانيون الذين أصابتهم قبل ثلاثة أشهر جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والذين نزلوا إلى الشوارع حتى كادوا لا يفارقوها مطالبين بكشف حقيقة من يقف وراء الجريمة وهاتفين للسيادة والاستقلال، بدت هيئاتهم لوهلة متشابهة عبر مختلف وسائل الإعلام المحلية بل وحتى العربية والعالمية. الشعور بأن المأساة وحدت الجميع كان عارماً ومفعماً بالانفعالات التي سعت كل وسيلة إعلامية إلى تظهيرها بصفتها حدثها الخاص. لكن هذه المشاهد والانطباعات سرعان ما بهتت وتبدلت وعادت كل محطة تلفزيونية وربما إذاعة وصحيفة لتتمركز وراء طائفتها أو حزبها أو تيارها السياسي وتبث بالتالي المشاهد التي تناسب هذا الدور.

يتندر اللبنانيون اليوم بانحياز حيناً وبسخرية وبكمد حقيقي أحياناً أخرى حيال التبدل الظاهر في سلوك بعض محطاتهم المحلية التي سرعان ما عادت تتقوقع وراء طوائفها الصغيرة وقد تجلى ذلك بوضوح في المقدمات الاخبارية لبعض المحطات وانحياز المذيعين والمقدمين الظاهر من خلال اسئلتهم ومواقفهم حيال التطورات التي عصفت ولا تزال بالبلاد..

الوجوه التي غابات لسنوات في المنفى عادت إلى صدارة الشاشات لتتحدث باللغة نفسها التي كانت تتحدث بها قبل خمسة عشر عاماً وبدا أن ثورة الفضائيات وتقنيات النقل المباشر ضاعفت من وقع الهفوات التي كانت هذه الشخصيات ترتكبها قبل نفيها وأتى البث الحي ليبرزها في الصدارة. أما الصور التي حفظت قسراً في أرشيف بعض المحطات للقيادات المغيبة في السجون بات بالإمكان اليوم اختراع مناسبة لتظهيرها في خبر أو دعاية ما بعد أن زالت أسباب منع بثها. المقدمات الإخبارية الكلاسيكية التي طالما مدحت الدول الشقيقة والصديقة مهما جار الشقيق وتعنت غابت هي أيضاً لصالح لغة يغلب عليها ضياع الوجهة والهدف.

كثيرة هي التبدلات ويكاد يصعب حصرها ولا يبدو أن الصور التي يظهرها الإعلام اللبناني ستستقر على نسق قريباً، فالنقلة السريعة التي عاشتها البلاد في فترة قياسية خلفت اضطراباً فعلياً لم تتمكن وسائل الاعلام من الصمود أمامه بل كانت هي من يكثف هذا الاضطراب ويزيد منه أحياناً.

لم تصور بعض وسائل الإعلام الانسحاب السوري من لبنان وعودة المبعدين ولا المطالبة بخروج المسجونين على أنها انفراج في الحياة الداخلية بقدر ما صورته على أنه ترسيم معدل للانقسامات التي طالما ميزت الحياة السياسية اللبنانية. وهنا لا يعني التطلب حنيناً للأوضاع السابقة إبان مرحلة الوجود السوري في لبنان التي لا أسف على انطواء صفحتها بل يعني حاجة إلى محاولة قول كلام جديد ونقل صورة مختلفة عن تلك التي وصمتنا لعقود لنقول أننا فعلاً تجاوزنا المحنة وهو ما لم يحدث حتى الآن.

* إعلامية لبنانية تراقب وتتابع قضايا الإعلام

[email protected]