تحياتي إلى (أذنك) العزيزة

TT

سمعت هذه القصة ـ ولا اعتقد أنها صحيحة ـ ولكن لا بأس من روايتها لان لها دلالة، فيقال ان عجوزا أصيب بالصمم الكامل، وحاول أن يعالج نفسه ولكن من دون فائدة تذكر، غير انه من حسن حظه أن ظهر جهاز جديد، هو عبارة عن سماعة خفية توضع داخل الأذن، فيعود السمع طبيعيا، وفعلا اشتراها ووضعها داخل أذنه، وإذا به يستطيع أن يسمع حتى دبيب النملة، وفرح في أعماقه فرحا عظيما.. غير انه بعد أسبوعين عاد إلى الصيدلية التي اشترى منها الجهاز وقدمه للبائع قائلا: هذا هو جهازكم أعيده لكم ولا أريد حتى أن استرد ثمنه.. فسأله البائع منزعجا لماذا تعيده، هل هو عطلان، أم مشوش، أم انه يؤلمك؟! ألم يفرح أصدقاؤك وأقاربك لأنك استطعت أن تسمعهم بسهولة؟!

فضحك العجوز وقال: كلا يا بني، فإنني لم اخبرهم عن هذا الجهاز، وقد استمعت إلى أشياء كثيرة، جعلتني أغير وصيتي مرتين خلال هذين الأسبوعين ـ انتهت القصة، غير أن خلفياتها لم تنته بعد.

فلو عرف كل إنسان ماذا يقول عنه الناس، لأمسك الناس جميعهم (شوش) ـ أي شعر رؤوس ـ بعضهم بعضا (ونتفوها)، وصاحب الحظ الكبير منهم من كان أصلع.

فللناس ـ كل الناس ـ عدة أوجه وليس وجها واحدا، ومن يقول غير ذلك فقد جانبه الصواب، ومن يدعي انه صريح وصادق ولا يملك غير وجه واحد إنما هو إنسان واهم يكذب على نفسه قبل أن يكذب على الآخرين.. وعندما أقول: ان لكل إنسان عدة أوجه فلا يعني ذلك انه منافق أو ممثل أو مزيف، لا أبداً، ولكن (أصول التواصل) ـ إن جاز التعبير ـ هي التي تفرض ذلك، فمن قلة الذوق مثلا أن تقول للأعور: (أنت اعور بعينك)، كما انه يلزمك أحياناً أن تجامل أو تواسي أو ترفع المعنوية أو تخفف البلاء، فتسبغ على البعض صفات أو مزايا قد لا تكون فيهم، كما أن الكثير من الناس يسقطون في فخ تتبع الأخبار التي كثيراً ما تلتبس بالإشاعات التي تتحول بدورها إلى أكاذيب، غير أن من استمرأوا أو أدمنوا تتبع (فضائح) الآخرين يصدقونها بل ويروجون لها، وكأنهم يريدون بطريقة غير مباشرة أن يقولوا للآخرين: نحن فقط (الشرفاء الطاهرين) وغيرنا هم (الأنجاس القذرين).. في حين ان الناس كلهم قد شربوا وارتوا من موارد الأخطاء وكلهم أيضاً لهم أعين ترى وألسن تتكلم.

وصدقوني لو أن ذلك العجوز لم يكن أصم، وكان احد أصدقائه أو أقاربه هو الأصم، لكان قد فعل أو تكلم مثلهم سواء بسواء.

بالنسبة لي فاني ضاربها (نعله)، فإحدى أذني كان بها طين والأخرى عجين وقد استبدلت أخيراً الطين (بكونكريت) والعجين (بكريم كرملا).

واللي يبغى (يحش.. يحش) ـ الله يحييه.

[email protected]