من يحتضن ثقافة العراق... في العراق؟

TT

تقدمت الاديبة الكويتية باندفاع نحو السيد عبد العزيز البابطين.. صافحته بحرارة وقبّلته بمودّة وشكرته بصدق قائلة «أعدتَ الينا الروح... أعدتَ الينا العراق».

هذا المشهد جرى في قاعة الانتظار الملحقة بمسرح الشامية في العاصمة الكويتية مساء الاثنين الماضي خلال فترة الاستراحة في الامسية الاخيرة لملتقى الشعر العراقي الذي بادرت الى تنظيمه مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للابداع الشعري، التي جمعت نحو مائة شاعر وكاتب واعلامي عراقي، ومثل هذا العدد تقريبا من الشعراء والكتاب والاعلاميين الكويتيين والعرب.

لم يكن التمثيل العراقي في الملتقى مرضيا تماما. لكن مع هذا كان هناك عدد غير قليل من المثقفين العراقيين المرموقين، الذين جاهد نظام صدام حسين طويلا لتغييبهم عن المشهد الثقافي العربي. وبينما رفض الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب الاعتراف باتحاد الادباء في العراق، الذي انبثق بعد سقوط نظام صدام واتحاد ادبائه ـ مع ان الاتحاد الجديد تشكل باسلوب ديمقراطي حضاري يليق بالمثقفين الحقيقيين وانتخبت هيئاته ولجانه وقيادته انتخابا حرا ـ فان هذه اول مناسبة، منذ سنوات، للثقافة العراقية التي كانت مقموعة للظهور بهذه الكثافة في عاصمة عربية. وكان ردّ الفعل الاول هو ما عبّرت عنه الاديبة الكويتية في المشهد الحميمي الذي تفرّجنا عليه اثناء استراحة الامسية الاخيرة في مسرح الشامية.

الثقافة التي تمثل روح العراق الحقيقي لن تعدم استقبالات حارة واحضانا دافئة في الخارج على غرار ما حدث في الكويت. لكن المشكلة الكبرى لهذه الثقافة ما تزال، كما كانت في عهد صدام حسين، قائمة في داخل العراق نفسه. وهي مشكلة مركبة، فالارهابيون الذين يذبحون من الوريد الى الوريد او الذين يفخخون السيارات لتتفجر في الاسواق والشوارع والساحات والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس ومراكز الجيش والشرطة (العراقية بالطبع)، ومثلهم حلفاؤهم الاصوليون المتطرفون الذين منحوا انفسهم سلطة التكفير والتخوين، يناهضون الثقافة الوطنية مثلما يناهضون الديمقراطية، ويوجهون حراب بنادقهم الى المثقفين الديمقراطيين، ويصوبون فوهات مدافعهم الى الثقافة الديمقراطية.

وفوق هذا كله تظهر الطائفية السياسية التي يجري تكريسها في العراق الآن عن سابق اصرار باعتبارها، هي الاخرى، خطرا كبيرا على الثقافة العراقية والمشتغلين فيها. وآخر تجليات هذا الخطر تمثلت في تعيين وزير للثقافة لا علاقة له من قريب او بعيد بالشؤون الثقافية.. ضابط شرطة سابق وتاجر اعلاف حتى يوم توزيره.. لا يفرق بين الضاد والظاء ولا يحب حتى قراءة الصحف.!

لماذا عُيّن هذا الرجل في هذا المنصب؟.. فقط لانه عربي سنة، ووزارة الثقافة في اول حكومة عراقية منتخبة بعد سقوط نظام صدام، بل منذ نصف قرن، من حصة العرب السنة، بحسب البدعة التي جاء بها الاميركيون الى العراق وتكرّسها الآن حكومة السيد ابراهيم الجعفري.

هذا الاختيار اهانة كبيرة للثقافة العراقية، الوطنية والديمقراطية، التي قارعت ببسالة دكتاتورية صدام حسين وسائر الدكتاتوريات.. واهانة كبيرة للمثقفين العراقيين... واهانة كبيرة للسنة العرب انفسهم، فهذا التعيين يقول من دون مواربة ان السنة العرب لا شأن لهم بالثقافة بدليل ان السيد الجعفري لم يجد فيهم مثقفا واحدا يضمه الى حكومته التي قيل ان رئيسها اشترط، قبل تشكيلها، ان ترشح له الاحزاب والجماعات والهيئات المعنية بالتشكيلة الوزارية ثلاثة اسماء ليختار هو من بينها الأكفأ والأنزه ليضمه الى حكومته!

[email protected]