أم الخبائث

TT

للرأسمالية منجزاتها الرائعة ولكن لها ايضاً جرائمها المترتبة في الواقع على منجزاتها. في المجتمعات الزراعية والحرفية ينتج الانسان بقدر حاجته. ولكن في المجتمع الصناعي الحديث ينتج أكثر من حاجته بكثير، ولا سيما بعدما سمي بالانتاج الواسع النطاق، يسد صاحب المعمل حاجات مدينته ثم وطنه من الغرامفونات. يعني ذلك منطقياً ان يتوقف عن انتاجها. ولكنه لا يستطيع، فلديه معمل وعمال وآلات تفرض عليه مواصلة الانتاج. يتوفق في ذلك بتطوير جهاز جديد، المسجل بالشريط. يوعز الى الصحافة لتطبل للاختراع الجديد. فيقولون ان صوت الشريط أحسن من صوت الاسطوانة. وهي كذبة. يرمي الجمهور غرامفواناتهم ويشترون المسجل. ولكن سرعان ما يحصل الاكتفاء هنا أيضاً. يفكر بتطوير جهاز آخر، السي دي.

ولكنه لا يستطيع تطوير جهاز جديد في كل ميدان وبنفس السهولة. يعمد اخيراً الى تصدير منتجاته الى دول اخرى. ولكنه يكتشف ان هناك منتجين آخرين، الماناً أو فرنسيين، سيطروا على السوق قبله. تشتد المنافسة فيضطر في الاخير الى شن الحرب عليهم. هكذا جرت الحربان العالميتان ومعظم الحروب الحديثة. الصراع من أجل البقاء يعني الصراع على الأسواق.

ولكن سرعان ما تكتفي حتى هذه الاسواق في العالم الثالث، ولا سيما بالنظر لفقر شعوبها. يعمد بعض المنتجين الى المناداة برفع مستوى هذه الشعوب باسم الانسانية ولكن عملياً لتشتري منتجاتهم الكمالية. يعمد آخرون الى تأجيج حروب خارجية أو أهلية ليبيعوا اسلحتهم ومنتجاتهم للطرفين.

يلجأ منتجون آخرون الى خلق حاجات ورغبات في الجمهور لم تكن موجودة ولا ضرورة لها اساساً. تأتي في هذا الصف كل منتجات التجميل والموضة وسائر الكماليات. على البنت ان تغير فستانها وحذاءها وحتى سيارتها حسب الموسم. ويحل الشريط محل الاسطوانة والسي دي محل الشريط والدي في دي محل السي دي. ومن لا يغير معداته فهو متخلف وضعيف الحالة ولا خير فيه.

وقوع هذا النهج الاستهلاكي في الغرب أمر هين فعندهم الثروة، وأي بنت تستطيع ان تشتري الموضة الجديدة بسهولة. ومن لم تستطع فالضمان الاجتماعي يتبرع لها بكلفتها.

الجريمة الكبرى ان الغربيين لم يكتفوا بزبائنهم الموسرين فسعوا الى غرس هذا النهج الاستهلاكي في نفوس الزبائن المعدمين في العالم الثالث ايضاً. اصبحت ليلى بنت الفقراء ايضاً تصبو لفستان الموسم وحذاء الموضة وامتلاك الفيديو. ان لم تفعل عيروها وخذلوها. ما العمل؟ لا طريق بغير بيع جسمها لشراء حذاء موضة له. تستر على عيب بارتكاب عيب أكبر. هكذا انتشرت الدعارة والسرقة والرشوة والفساد في هذا السباق لستر العيب. وكله بعد ان غرست العولمة روح المباهاة والمظاهر والحسد والمنافسة في كل مكان بما فيه اكواخ الفقراء في العالم الثالث.

كل هذه البضائع الرائعة والفاتنة التي نجدها في فاترينات مخازنها الكبرى ما هي الا دعوة للمارين (المعدمين في أكثر الحالات) ليسرقوا ويرتشوا ويسمسروا ويبيعوا اعراضهم ويأتوا بالفلوس لشراء ما رأوه في الفاترينة. تصدير الغرب للروح الاستهلاكية الى العالم الثالث من أهم اسباب شيوع الفساد عندنا. واي بيت من بيوتنا يسلم من هذا الجدال المستمر بين الزوج والزوجة التي تبكي وتنتحب وتقول انها اصبحت تخجل امام ضيوفها وهم يرون اثاث بيتها القديم أو فستانها البطلان، أو تلفزيونها الصغير. فلا يبقى للزوج غير ان يسرق هذه هي الجريمة الكبرى، ام الجرائم التي ارتكبها الغرب في حق الشعوب الفقيرة.