أميركا في أوزبكستان.. ليس من أجل كريموف

TT

ماذا حدث في انديجان في اوزبكستان الاسبوع الماضي وأسفر عن مقتل اكثر من 500 شخص وإصابة حوالي الالفين بجروح ونزوح الكثيرين تحسباً من الاحداث المتوقعة الآتية؟

منذ شهر شباط (فبراير) الماضي زج نظام إسلام كريموف بـ 23 رجل اعمال محليا بالسجن بتهمة الانتماء الى «الإرهاب الإسلامي». هم كانوا فريقاً من مجموعة «آكراميا»، وهي حركة إسلامية تقدم النجاح الاقتصادي على الإيديولوجية والاصولية الإسلامية. وما ان انشأوا شركة للبناء، وافتتحوا حساب توفير يوزع ارباحه على المودعين، لمساعدة المحليين على ايجاد وظائف، حتى امر كريموف باعتقالهم. ويوم الخميس الماضي، شن متظاهرون موالون لرجال الاعمال المسجونين، ما يشبه الغارة على السجن لاطلاق سراحهم، فاحتلوا مركزاً للادارة المحلية ومداخل السجن، وطالب كثيرون منهم برحيل كريماكوف. ولو لم يُقدِم المتظاهرون على هذا الإجراء، لكانت محكمة كريموف ادانت هؤلاء، وعُذبوا وربما قُتلوا، فهكذا

تسير الامور حسب نظام كريموف. في اليوم الثاني غرقت انديجان في حمام من الدماء.

بعد القتل عرض وزير الداخلية «ذوكيرجون آلمتوف» على زعماء المتظاهرين عبوراً آمناً خارج البلاد الى مدينة «اوش»، عبر الحدود في الجزء الكيرغيستاني من وادي فيرغانة، (هذا يوضح سبب اطلاق رجال الشرطة النار على المدنيين الهاربين الى «اوش» مساء الاثنين الماضي)، وذُكر ان كريموف الذي امر باطلاق النار علــى المتظاهرين شارك ايضاً في المفاوضات.

ان كل تحرك معارض في اوزبكستان يعتبره كريموف من الارهاب الاسلامي، وأهم منظمتين اصوليتين في اوزبكستان هما: «حركة اوزبكستان الاسلامية»، وهي عضو في الجبهة الاسلامية العالمية، التي اسسها اسامة بن لادن وايمن الظواهري، ووضعتها لاحقاً الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الارهابية، وحركة التحرير. كريموف يتهم حركة التحرير بسلسلة من التفجيرات التي وقعت خاصة في طشقند، والذي يحّير كريموف ان واشنطن لا تعتبر حتى الآن هذه الحركة ارهابية ويثيره كثرة اتباعها في اوزبكستان 22 الفاً زج بسبعة الاف منهم في السجن، وحالياً يستهدف كريموف مجموعة «آكراميا». أسس هذه المجموعة عام 1992أستاذ في الرياضيات يدعى «آكرم يولداشيف»، وهي في الواقع إنشقت عن حركة التحرير، وتحظى الحركة بشعبية لدى الشباب المثقف في وادي فيرغانة، وهي تدعو الى مزج الحياة الاسلامية المستقيمة مع النجاح الاقتصادي، كما انها تشدد على تقليد الزكاة، ومنذ عام 1999 يقبع يولداشيف في السجن، وتنفي زوجته تهمة دعوته الى التهديم السياسي، وتؤكد ان القصة كلها تدور حول الحرية الاقتصادية.

لم تكشف احداث اوزبكستان العلاقة الحميمة بين واشنطن وكريموف، ذلك انها معروفة، فهو حتى وقوع هذه الاحداث في رابع اكبر مدينة في اوزبكستان، كان حليفها الاقوى في آسيا الوسطى، وفي تشرين الاول (اكتوبر) من العام الماضي عبر وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد عن سروره لعودته الى زيارة اوزبكستان (...) الدولة الرئيسية في التحالف الدولي ضد الارهاب. ضد الارهاب، إن علاقتنا قوية وتنمو بشكل اقوى. إن كل ما تراه واشنطن في كريموف،هو القاعدة الجوية في «خان آباد»، والطرافة في الامر، ان هذه القاعدة كانت في الثمانينات وخلال حرب افغانستان، القاعدة الجوية السوفياتية الاكبر، تضم الآن

1500اميركي بحجة مواصلة الحرب على الارهاب «في افغانستان»!

بدأت «العلاقة الخاصة» ما بين واشنطن وطشقند على زمن الرئيس بيل كلينتون، وعام 1999، كانت فرق القبعات الخضر الاميركية منهمكة في تدريب القوات الاوزبكية الخاصة في «قاعدة فورت براغ» الاميركية. وحسب الاستراتيجيين، فإن قاعدة خان آباد لا علاقة لها الآن بأفغانستان، ذلك ان قاعدة باغرام هناك تقوم بمهمة الحرب على الارهاب، غير ان اهمية خان آباد انها واحدة من القواعد الاميركية الرئيسية التي تحيط الآن بالشرق الاوسط الكبير، حسب نظرية الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش، او حسب ما شرح احدهم، القواعد التي تحمي «قوس النفط والغاز الممتد من الشرق الاوسط، والقوقاز، وآسيا الوسطى»، مع العلم ان فترة التلزيم الاميركي للقاعدة لن تنتهي قبل عام 2008. هناك من يعتقد ان كريموف في اوزبكستان، هو جزء مهم من خريطة شطرنج النفط والغاز في تلك المنطقة، كأهمية حامد كرزاي في افغانستان، وان البيت الابيض لن يحرك ساكناً حتى ولو اعتمد كريموف التقليد المعروف لديه في تعذيب الذين تظاهروا في انديجان، ووصل الى رميهم احياء في المياه التي تغلي. وكانت مؤسسة «هيومان رايتس واتش» اصدرت العام الماضي كتاباً من ثلاثمائة صفحة، تضمن حالات عن «التعذيب الاوزبكي»، ولم تحرك واشنطن او حتى موسكو ساكناً. غير ان ردود الفعل هذه المرة لافتة، خصوصاً الموقف البريطاني، ذلك ان وزارة الخارجية البريطانية سحبت العام الماضي سفيرها «غريغ موراي» من طشقند، بعدما اشتكت حكومة كريموف من كثرة تدخله ودفاعه عن حقوق الانسان. كتب موراي يوم الاثنين الفائت، مقالا في صحيفة «الغارديان»، ذكر فيه، انه، العام الماضي، عندما حضر السفير الاميركي في طشقند «جون بورنيل»، افتتاح مركز لحقوق الانسان، قاطع احد المتحدثين عندما بدأ ينتقد القمع، قال له بورنيل، ان الاشارات السياسية ممنوعة!

هل اختلف الوضع هذا العام، وهل بلغ لندن ان واشنطن على استعداد للتخلى عن كريموف؟ ذلك ان انتقادات وزير الخارجية البريطاني جاك سترو لافتة. هناك من ذكر نقلاً عن مصادر وزارة الداخلية الاوزبكية، ان ما جرى في انديجان، كان نتيجة تنافس ما بين مجموعات من انديجان ووادي فيرغانا من جهة، وبين مجموعات سمرقند ـ طشقند بقيادة كريموف، وان الحكومة كانت بصدد مصادرة كل املاك وشركات رجال الاعمال المسجونين، بما فيها سياراتهم، وان التمرد هو بمثابة رسالة لكريموف ومجموعاته بأن لا يلمسوا ممتلكات مجموعات انديجان! الامر الآخر الذي اشير اليه نقلاً عن مصادر الداخلية الاوزبكية، ان ما جرى، قد تكون شاركت فيه الولايات المتحدة كإنذار لكريموف بضرورة التنحي، او الاستعداد لمواجهة المزيد من العصيان وفي مناطق أخر ومن جهتها اعتبرت مصادر روسية، بأن الولايات المتحدة ربما نسقت مع إحدى الدول العربية الكبرى، وتوصلتا الى اتفاق على الاتيان بحكومة إسلامية موالية للطرفين المتنازعين في طشقند.

قد يحاول كريموف الان، وسط الحملة الدولية عليه، ان يخفف من ردات فعله، ولكن طالما ان التهديد بالابادة لن يترك امام مجموعات انديجان إلا المقاومة حتى النهاية، فإن الامور قد تصبح خارج السيطرة، ربما ستحاول طشقند ان تجعل من بعض الافراد عبرة لغيرهم، وتتفاوض في الوقت نفسه مع زعمائهم، لكن كي ينجح كريموف في هذا التكتيك عليه ان يتنازل عن الكثير من طموحاته الاقليمية، وهذا سيعرضه لمشاكل مع المقربين منه، الذين ضاعفوا من جشعهم وطمعهم بالسلطة. ان الاشاعات منتشرة في طشقند بان كريموف مريض، وان الحديث عن الخلافة متأجج بين اتباعه، والانظار كلها متجهة الى واشنطن ودعوتها الى نشر الديمقراطية، واذا كان كريموف وفر لها القاعدة الجوية، فإن الذين سيخلفونه لن يمانعوا في تمديد مدة التلزيم. اما اذا مانعت واشنطن واصرت على دعم كريموف، فإن حكمه لم يستطع تغيير الواقع في فيرغانا، ذلك ان التعلق بالدين الاسلامي والولاء له، كان العامل الاساسي لأي تحرك هناك منذ اول تمرد للمسلمين في انديجان ضد جيش القيصر الروسي عام 1898 وليس هناك من يعتقد ان الرئيس بوش حالياً اقوى من قيصر روسيا آنذاك، اما كريموف فإن ايام حكمه صارت معدودات، أليس هذا ما يحاول الاميركيون تلقينه لنا منذ سنوات، ان عالم الطغاة الى زوال؟