كوميديا قراءة العرب الرسمية لأوضاع العراق

TT

(اتفق الطرفان في وجهات النظر، حول القضايا ذات الاهتمام المشترك).

(تم بحث تعزيز العلاقات، بما يخدم مصلحة الشعبين الشقيقين.. أو الصديقين) (وتم الاتفاق على تنسيق رؤية مشتركة بين الطرفين)!!

.. وهلم جرا.. من تلك (الكليشات) التي اهترأت تكرارا وباتت توحي لسامعها بعدم جدواها. الأمثلة التي اوردناها آنفا، هي عبارة عن قوالب معلبة، منفصلة عن الواقع، وقد اعتاد الناس على تجاهلها!!

ولكن ان يصدر مشروع قرار عن (تطورات الوضع في العراق) على مستوى القمة التي عقدت في الجزائر أخيرا!! فالأمر يقتضينا ان نقف على ما جاء فيه من مفردات تدعو الى السخرية السوداء..!! .. فالقرار يبدأ ـ كالعادة ـ بالحشو الممل فنقرأ: يقرر

1ـ اعادة التأكيد على احترام وحدة وسيادة العراق، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية. بينما الواقع يؤكد ان العراق مخترق من الخارج والداخل في ظل احتلال أميركي رسمي، اضافة الى ان ساحته الداخلية صارت ملعبا دمويا لتصفية حسابات مصدرها الاول بعض دول الجوار، ودول اخرى!!

2 ـ الترحيب بالعملية الانتخابية التي جرت في العراق بتاريخ 30 يناير (كانون ثاني) 2005، ويعتبرها انجازا كبيرا للشعب العراقي. بيد ان الواقع يؤكد على ان الانتخابات لم تشمل جميع العراقيين، واسفرت نتائجها عن محاصصة طائفية وعرقية، بعيدا عما كان متوقعا لتأسيس عراق ديمقراطي!!

3 ـ التأكيد على ضرورة مشاركة جميع اطياف الشعب العراقي في العملية السياسية الجارية في العراق، كما يدعو الى دعم الحكومة العراقية الانتقالية التي ستنبثق عن الجمعية الوطنية في مكافحة الارهاب والعنف واستتباب الأمن والاستقرار في البلاد. وعكس ما تدعو اليه فقرة قرار القمة هو ما حدث بالفعل!! فما ان اعلن عن تشكيل الوزارة الجديدة حتى عقد الياور ـ نائب رئيس الجمهورية ـ مؤتمرا صحافيا هاجم فيه تشكيلة الوزارة.. وقال: انها مخيبة للآمال ونعتها بأوصاف سلبية..!! اما مكافحة الارهاب فالحديث عنها بلا حرج اذ ان السيارات المفخخة كانت تنفجر بالآحاد.. فصارت عملياتها الآن بالعشرات.. وعندما اقسمت الوزارة يمينها، تغيّب الياور.. واعلن فصيل من السنة العرب انه يدعو الى انشاء تنظيم سني في مؤتمر سيقام لهذا الهدف في مدينة تكريت.!!

4 ـ الترحيب بكافة المبادرات، وبخاصة مبادرة الحكومة العراقية الرامية الى اجراء حوار وطني شامل، وحث كافة القوى السياسة واطياف ومكونات الشعب العراقي على المشاركة في انجاح هذا الحوار. ولتأكيد انعدام مصداقية هذه الفقرة من بيان القمة العربية، هو ذلك الفشل المتكرر بين الفصائل العراقية المختلفة، وكذلك فشل مباحثات جلال الطالباني مع السنة، وكذلك فشل دخول حزب الوفاق الوطني وممثله اياد علاوي في الوزارة الجديدة، واستفحال شدة الهجوم على أئمة المساجد وتفجير الحسينيات.. والآتي اعظم.

5 ـ الترحيب بالدور الذي قامت به الامم المتحدة في مساندة العملية الانتخابية في العراق.

ما اكثر ترحيبات بيانات جامعة الدول العربية بالمبادرات الدولية، والدليل على ذلك هو تلك الاطنان في بياناتها الترحيبية من اجل القضية الفلسطينية!!

6 ـ التأكيد على اهمية تعزيز دور الجامعة العربية في العراق، كونه عضوا مؤسسا فيها، ومواصلة التعاون والتنسيق لتقديم كافة اشكال المساعدات للعراق في مختلف المجالات.

* انها حقا فقرة تدعو الى الكوميديا السوداء، اذ ان شر البلية ما يضحك!!

.. (جامعة الدول العربية تساهم في تقديم كافة اشكال المساعدات للعراق في مختلف المجالات!!.. بينما وزير الدفاع الأميركي زار العراق خلال سنتين اكثر من سبع مرات!! فهل قام عمرو موسى بزيارة واحدة للعراق؟!.. واذا فعل، فماذا لديه ما يقدمه للعراقيين؟! أم انها (كليشات) بيانات..؟!

7 ـ التأكيد على اهمية الوجود العربي في العراق.

* لست ادري ماذا يقصد قرار القمة بهذه الفقرة؟! فالرئيس العراقي هو كردي!! والحكومة بموجب المحاصصة الاخيرة تكاد ان تكون متوزعة بين عراقيين من ذوي الولاءات غير العربية!!

.. اما اذا كان التأكيد على اهمية الوجود العربي في العراق المقصود به: الذين يفخخون السيارات، ويقنبلون، ويفجرون، وينتحرون ويقتلون العراقيين يوميا بالعشرات، فإن الدعوة في الفقرة السابعة من بيان القمة العربية قد حققت نجاحا ملموسا!!

إذ ان معظم من يلقى عليهم القبض هم من العرب!!

ويمارسون نشاطهم الاجرامي بدعم عربي!!

8 ـ ادانة الانتهاكــات الخطيرة لحقوق الانسان التي تمت اثناء احتلال دولة الكويت..... ألخ

* واضح ان هذه الفقرة اضيفت الى بيان قرار القمة بناءً على طلب من دولة الكويت.. ولا شك ان الاعراب عن الحزن والقلق لمحنة من لا يزالون يبحثون عن ذويهم من الاسرى، كلام جميل، ولكن لا فائدة ترجى منه!! ثم ما جدوى تضمين هذه الفقرة ضمن توصيات صادرة عن مؤتمر قمة لا يقدم ولا يؤخر!! بينما الوضع الطبيعي ان تشكل لجان من الطرفين، العراقيين والكويتيين، بمساعدة الأميركان اصدقاء الجميع، ولديهم من الامكانيات الفعالة لانهاء هذه المشكلة!! ام ان البعض ما زال مصرا من جعل هذه القضية قميص عثمان الذي على الشعب العراقي ان يدفع مزيدا من العذاب بسببه؟

9 ـ تقديم المساعدات في المجالات المختلفة، لتمكين جمهورية العراق من انجاز العملية السياسية، واعداد الدستور، وفي تدريب وتأهيل الكوادر العراقية بضمنها تدريب الشرطة، والقوات المسلحة، بما يؤدي الى الاسراع في تأهيلها لاستلام مهامها في عموم البلاد وتمكين الحكومة العراقية من انهاء الوجود العسكري الاجنبي وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 546 (2004)، وقرار قمة تونس 264 (2004).

* ان من يتمعن في مفردات هذه الفقرة، لا يكتشف انها معلبة فقط، وانما صياغتها مهلهلة.. ومع هذا، فالعراق لا ينقصه الكوادر البشرية، وكل ما يحتاج اليه هو ان يكف الذين يظنون انهم يعملون على مساعدته، بينما هم في واقع الامر يعرقلون مسيرته.

بدليل ان هذه الفقرة نفسها، وضعت في مؤتمر قمة الجزائر محولة اليه من قمة تونس!! ولم ينفذ منها شيء!!

انها مجرد كلام لا يغني، ولا يسمن..

* واخيرا.. فإن بيانا سياسيا على مستوى القمة العربية ويناقش قضية حيوية هامة تتعلق بمستقبل العراق، يظهر بهذه الصورة الهزيلة اطارا ومضمونا.. فكيف هو الحال مع بقية قضايانا الحيوية الاخرى؟!

واضح ان قضايانا السياسية والاجتماعية والاقتصادية تتعرض الى معوقات تجعلها في الدرك الاسفل من التخلف.. وابرز المعوقات في حياتنا السياسية المعاصرة، هو وجود مؤسسة مهترئة ومعوقة لكل مسارات حياة الانسان العربي اعني: جامعة الدول العربية!!