ما يحتاجه العراق

TT

احتاجت الحكومة العراقية الانتقالية ان يفجر الارهابيون في وجهها خلال اول اسبوعين من عمرها 70 سيارة وعبوة ناسفة وقذيفة، ويزهقوا ارواح 400 عراقي ويصيبوا بجروح ضعف هذا العدد، ويدمروا ممتلكات لم يستطع احد احصاء قيمتها بعد، لكي تقرّ ـ هذه الحكومة ـ على لسان المتحدث باسمها، بانها لا تمتلك عصا موسى لكي تضرب الارض بها فتهدأ الحال الأمنية ويتحقق الاستقرار وتشرع هي باداء مهمتها الاساسية: توفير الظروف اللازمة لصياغة الدستور الدائم للبلاد وطرحه على الاستفتاء العام وتنظيم اول انتخابات عامة، شاملة وحرة ونزيهة بالطبع، على اساسه.

واحتاج رئيس هذه الحكومة، السيد ابراهيم الجعفري، ان تقتحم وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس عليه مكتبه في المنطقة الخضراء ببغداد وتضغط عليه لكي يقتنع بان العبور بالعراق الى برّ الامان لن يتحقق من دون توسيع قاعدة العملية السياسية الجارية في البلاد. (السيد الجعفري اعترف علنا بان الجمعية الوطنية التي يهيمن عليها «الائتلاف» الشيعي الذي هو ـ الجعفري ـ احد زعمائه شكلت لجنة لصياغة الدستور مشوّهة التركيب بسبب ـ من وجهة نظره ـ ضعف تمثيل السنة العرب فيها.

وعلى اية حال فان هذا الاعتراف وذلك الاقرار مؤشر على منحى واقعي في تفكير «الائتلاف» الذي اظهر معظم زعمائه واقطابه جنوحا الى الطغيان حال ظهور نتائج الانتخابات. ومن مظاهر هذا الجنوح ابتداع اطروحة «الاستحقاق الانتخابي» التي يدرك كل ذي نصف عقل، ناهيك عن ذوي العقول الكاملة السليمة، انها لا تستقيم لا مع ظروف العراق الراهنة ولا مع واقع ان الانتخابات التي جرت في 30 يناير (كانون الثاني) الماضي لم تكن شاملة وحرة ونزيهة لكي يجري الافتخار باستحقاقاتها والتمسك بها بعناد بينما البلاد يتدفق فيها نهر ثالث من الدم، وتزداد خرابا فوق الخراب الهائل الذي خلّفه صدام حسين.

منذ اعلان نتائج الانتخابات، بل حتى قبل ذلك، سيطرت على قيادات «الائتلاف» نزعة احتكار الحكم والاستئثار بالسلطة، كما لو انها لم تتابع عبر شاشات الفضائيات في ابريل (نيسان) 2003 الانهيار المهين لأعتى دكتاتوريات العصر. وليس لهذا من تفسير سوى انه دليل على تعصب او جهل، والتعصب والجهل كلاهما يعميان الابصار والافئدة والعقول على السواء.

في ظروف افضل بكثير من ظروف العراق تتجه القوى الوطنية الحية الى تشكيل حكومات وحدة وطنية لمواجهة نتائج كارثة طبيعية او من صنع البشر او لانجاز تحول سياسي معين. واسرائيل التي يعتبرها بعض العرب والمسلمين عدوهم اللدود (لست من هؤلاء) تتشكل فيها حكومات وحدة وطنية حتى عندما تمر بظرف تواجه فيه استحقاقا سلميا.

في كل انحاء العراق يجول الآن شبح حرب اهلية بسبب المواقف غير السليمة لـ «الائتلاف» الشيعي والمواقف الخرقاء المقابلة للقوى الطائفية السنية التي لا تبالي اذا ما احترق العراق كله بنار الارهاب.

تصريحات المتحدث باسم الحكومة وبعدها تصريحات رئيس الحكومة نفسه تحتاج الى عمل ملموس وسريع لتأكيد ان هذه التصريحات تعكس سياسة جديدة لـ «الائتلاف». وهذه السياسة لن تكون بمجرد ضم عدد من السنة العرب الى لجنة الدستور. فـ «الحل» الطائفي لم يكن حلا في أي مكان في العالم، وهو لن يكون حلا في العراق. انه مفرخة لمشكلة، بل مشاكل، جديدة.

ثمة حاجة ماسة لمؤتمر وطني عراقي لا يستثني الا الضالعين باعمال الارهاب والجريمة، فالوضع اكبر بمرات ومرات من قدرة «الائتلاف» والتحالف الكردستاني على ادارة البلاد واخراجها من النفق المظلم. ومن الظلم ان يتحمّل الشعب العراقي اهوالا جديدة فوق الاهوال المهلكة التي تسبب بها صدام من قبل ويتسبب فيها الآن الارهابيون ورعاتهم وحماتهم ومحرضوهم في دول الجوار.

[email protected]