حول خطأ الـ«نيوزويك»..!!

TT

لن تهدأ سريعاً العاصفة التي أثارها تقرير مجلة «نيوزويك» بشأن تدنيس القرآن في معتقل غوانتانامو حتى بعد تراجع المجلة واعتذارها عما نشرته وقولها إن المصدر الذي اعتمدته في تقريرها قد عاد عن روايته، فالضرر وقع فعلاً وسقط قتلى في أفغانستان وثارت ثائرة العالم الإسلامي الذي ما زالت ذاكرته حية بصور معتقلي سجن أبو غريب. لقد أعادت هذه القضية إلى الواجهة النقاش حول استخدام الصحافة والإعلام لمعلومات لا يكشف عن هوية مصدرها في وقت يتعرض فيه الإعلام الاميركي إلى ضغوط كبيرة لإثبات مصداقيته مجدداً جراء فضائح التقارير الكاذبة لصحف NewYork Times وUSA today وشبكة CBS في السنوات القليلة الأخيرة. وقد أظهرت استطلاعات جرت مؤخراً في أميركا تراجع الثقة بمصداقية الصحف خلال السنوات العشرين الماضية من 28% إلى 17%.!!

مجلة «نيوزويك» حاولت استيعاب المشكلة التي واجهتها بشأن تقرير تدنيس القرآن بأن تكون شفافة وتعتذر إلى قرائها لكن محاولتها هذه لم تكن كافية في ظل تضرر سمعة الصحافة الأميركية. وهذه القضية التي لم تطو صفحتها بعد تطرح على أي صحافي أو مسؤول تحرير سواء في الإعلام المكتوب أو المرئي سؤالاً جدلياً فعلياً يتعلق بنشر معلومات من مصادر ترفض إعلان هويتها وبالتالي تنتفي إمكانية محاسبتها. فهناك خط رفيع بين جمع معلومات قيمة ونشرها وبين الوقوع ضحية تلاعب من قبل بعض المصادر التي لها أجندتها الخاصة، لذلك لا مفر من أن يسأل الصحافي نفسه دائماً، لماذا يكشف المصدر المعني معلومته وما هو هدفه في أن تبقى هويته مجهولة!!!

في حالة الـ«نيوزويك» يتجلى كم ينبغي لمن يعمل في هذا الحقل أن يكون حذراً خصوصاً لدى تعاطيه مع قضايا حساسة كالتي تناولتها المجلة والتي تعيش اليوم وضعاً صعباً في ظل المسؤولية الكبرى التي تشعر بها إدارتها جراء سقوط قتلى في تظاهرات أفغانستان. واليوم تعيد المجلة وكبريات الصحف الأميركية النظر في قواعد التعامل مع مسألة المصادر وجعلها نصوصاً مكتوبة بعد أن كانت عرفاً عاماً يتوافق عليه المحررون والصحافيون. ولا يخفي الصحافيون الاميركيون تذمرهم من السرية التي تعتمدها إدارة الرئيس جورج بوش حيال قضايا مهمة وبالتالي فإنه من الصعب على من يملكون المعلومات العمل مع الصحافيين والإفصاح عما يعرفونه.

لكن من ناحية أخرى لا بد من القول إن من قتل في تظاهرات أفغانستان لم يقتل بسبب «نيوزويك» التي ربما لم يقرأوها أو يسمعوا بها، بل بسبب تنامي العداء حيال سياسة الإدارة الاميركية. وهنا لا ننسى أن المجلة نفسها كانت قد كشفت قبل ثلاث سنوات وبعد الحرب الأميركية على أفغانستان قضية مقتل عشرات السجناء في مستوعبات نقل خنقاً على يد عناصر من التحالف الشمالي في ظل سيطرة الأميركيين على البلاد. لكن المعلومات الأخيرة المتعلقة بتدنيس القرآن ظهرت وسط أجواء بدرجة عالية من الاحتقان وهي وجدت من يسوق لها ويستغلها ليبقي على حال الغليان والتفجر الدائم الذي نعيشه في المنطقة..

[email protected]

* إعلامية لبنانية تراقب وتتابع قضايا الإعلام