يا أخا الشمس والقمر

TT

هناك شك يخامرني ـ واستدرك قائلا: إن الشك معروف وواضح ومعقول، ولكن كلمة (يخامرني) هذه، لا ادري كيف ومن أين ولماذا أتيت بها؟! ولكنها ومع ذلك هي فعلا تخامرني واخامرها من دون أن افهمها وتفهمني.

أعود للشك بنفسي وبالكثير من أصحاب القلم، وشكي بنفسي ليس دليل (فبركة) أو تواضعا مزيفا، لا أبدا، ولكنها الحقيقة ولا شيء قبلها أو بعدها.

فالكثير من الكتاب لو (نخلناهم) لسقط الكثير منهم في الامتحان، والكثير من القراء أو من يحاولون الولوج إلى عالم الكتابة، لو نخلناهم لصعد الكثير منهم إلى أعلى الدرجات.. والمشكلة تكمن دائما وأبدا بالتلميع والتعود والمجاملة والاحتكار والتزييف والتكالب والمصالح أيضا.

فهناك أقلام عاشت وارتقت وأثرت، بل وخلدت نفسها تحت بند (النفاق) والتزلف وهي لا تملك لا من الموهبة ولا من الثقافة شيئا، ولكن لأنها تعرف كيف تستميل المسؤول أو الحاكم، وكيف تلعب معه وعليه، وكيف تعطيه ويعطيها، وكيف تحرك غرائزه ليفتح لها الأبواب؟! مثل تلك الأقلام مهدت لها أوراق الصحف، ولولا الحياء لفرشت الأرض أمامها بالسجاد الأحمر، ولأطلقت المدفعية في أخيراتها واحدة وعشرين طلقة.. ولكن لا بد من أن استدرك وأقول: مع الأسف هذه هي الحياة، من أول كاتب كان يمجد الفرعون قبل ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، إلى لحظتي هذه التي يجري فيها قلمي الأعرج على هذه الورقة مثلما هو الدم يجري في عروقي.. ولا اكذب عليكم إنني شخصيا أخاف واجزع من حكاية (المنخل) التي ذكرتها في أول المقال، وخوفي يكمن فقط في جسمي النحيف الذي لا شك انه سوف يكون من أول الساقطين.. أي كاتب مبتدئ إنما يكمن بالمحرر، غير أن بعضهم لديه بعض الظرافة أو الفكاهة، مثل ذلك المحرر في صحيفة يابانية عندما رد مقالة لكاتب مبتدئ وبدأها بقوله: يا أخا الشمس والقمر.. هذا خادمك ساجدا تحت قدميك! وانني لأركع بين يديك وأتوسل إليك أن تأذن لي أن أتكلم وأظل حيا. إن مقالكم المكرم قد تنازل فألقى عليَّ سناه الجليل، فتصفحته في نشوة من الفرح. واقسم بعظام أسلافي أني لم اقرأ من قبل مثل هذه الآيات الزاخرة بالخاطرة السريعة والعاطفة النبيلة والفكر السامي. وأنا أعيده إليك جزعا، فلو أنا نشرت هذه الذخيرة التي أتحفتني بها، لأمر الإمبراطور أن تتخذ مثلا يحتذى، وان لا ينشر شيء إلا أن يكون في مثل روعته وبراعته. أما وأنا اعرف الأدب حق المعرفة، واعرف أن الإتيان بمثل مقالك لن يتاح قبل عشرة آلاف سنة، فاني لأعيده إليك مع خدم يتولون حراسته.

وانني لاستميحك عذرا عشرة آلاف مرة.

انظر. هذا رأسي تحت قدميك، وما أنا إلا حفنة من تراب.

خادم خادمك

وانج شن.

[email protected]