أوزبكستان.. واشنطن ولندن تتحملان مسؤولية المذبحة

TT

اسلام كريموف، رئيس غير منتخب، لا شرعية دستورية لزعامته لأوزبكستان، جمهورية اسيا الوسطى، التي كانت يوما جزءا من الإتحاد السوفياتي، الذي منحه الرئاسة كترقيه بيروقراطية دورية في الحزب الشيوعي البولشوفيكي.

كريموف، هو المسؤول الأول امام التاريخ، وأمام محكمة العدل الدولية الجنائية، والتي ارجو ان يمثل امامها يوما، عن جريمة قتل مابين 500 الى 750 من المدنيين بينهم نساء وأطفال، في انديجان. وكمتابع لتطورات المنطقة، وعلاقتها بالقوى العظمى اتهم، وبضمير مرتاح، شركاء كريموف في الجريمة: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فمن غير المعقول ان يعطي كريموف اوامره بإطلاق النار على مواطنيه، بالأسلوب الصدامي الحسيني المجرب في حلبجة، من دون موافقة من موسكو. المتهمون الآخرون: الرئيس جورج بوش، وقبله، بيل كلينتون، جورج بوش الأب، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، ووزير خارجيته جاك سترو. الأخير مذنب مرتين: تستره على كريموف ونظامه، والثانية مشاركته في مؤامرة تلطيخ سمعة كريج موراي، السفير البريطاني السابق في طشقند.

حذر السفير موراي، قبل سنوات، من الأنتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، ومن تعامل كريموف مع المعارضة. لم تتعلم وزارة الخارجية البريطانية الدرس المخزي من تجربتها مع صدام حسين الذي دافعت عنه ودعمته في الثمانينات فكررت الخطأ مع كريموف. وبدلا من العمل بنصائح السفير موراي لتحذير كريموف حول انتهاكاته لحقوق الإنسان، تماشى بيروقراطيو الخارجية البريطانية مع ديكتاتور اوزباكستان، وسربوا معلومات ـ لصحافة روبرت مردوخ التي دعمت حكومة بلير في تبعيتها للسياسة الأميركية ـ حول اصابة السفير موراي بانهيار عصبي، نتيجة متاعب عائلية بقصد تدمير مصداقية سفير جلالة الملكة في طشقند. جاء تصرف وزارة الخارجية البريطانية في وقت صدعنا فيه وزيراها، السابق روبين كوك، والحالي «سترو» بالبعد الأخلاقي في السياسة الخارجية.

تزأمنت انتقادات السفير موراي للديكتاتور كريموف مع تحول بلير وسترو، الى «صبيان المراسلة»، او السعاة، للرئيس بوش في حملته الجهادية ضد «الأرهاب» تحت الشعار المضحك المبكي في سذاجته «من ليس معنا فهو ضدنا». قرر «الرفيق» كريموف ان يكون «مع» بوش ويمنح الأميركيين صلاحيات أكبر في القاعدة العسكرية، للتحرك ضد نظام الطالبان في افغانستان. قرر بلير وسترو، تأييد ديكتاتور طشقند، والتضحية بدبلوماسي شريف، لإرضاء بوش وحلفائه من الديكتاتوريين لأنهم «معنا».

انتابني الغثيان من تصريحات سترو مدينا احداث اوزباكستان، بالعبارات نفسها، التي تضمنتها تقارير السفير موراي، عندما حذر قبل اعوام، من تطورات لا يحمد عقباها، كالتي رأيناها من اطلاق النار على المدنيين العزل لمطالبتهم بالإفراج عن اقارب اعتقلهم زبانية كريموف.

أميركا وبريطانيا والقوى الاوروبية وموسكو مسؤولة عن مذبحة انديجان. فهذه القوى رفضت منذ سبتمبر 2001، تأييد الحركات الديمقراطية في اسيا الوسطى واختارت مناصرة الديكتاتوريات غير الشرعية في المنطقة.

كم من قرائنا سمع بأوزبكستان، وكازاخستان، وطاجيكستان وكيرغيستان، قبل سبتمبر 2001؟

كانت المنطقة ركنا منسيا وللتذكرة، فتلك انظمة حكمها لم يتغير منذ الشمولية القمعية للإتحاد السوفياتي. ورفض زعماء هذه البلدان ـ غير المنتخبين ـ تنفيذ اية مطالب شعبية بالإصلاح الذي تحقق لشعوب شرق اوروبا.

اقام البنتاغون علاقات وثيقة مع اوزباكستان منذ عام 1998، وقام بتدريب القوات الخاصة الأوزبكية لمواجهة المتطرفين الاسلاميين، فيما ساعدت السي آي إيه ومولت ودربت، وتبعها في ذلك جهاز «م. أي 6» (المخابرات الخارجية البريطانية) أجهزة الأمن الأوزبكية ـ التي ادانتها المنظمات الدولية في استخدامها اساليب التعذيب والاغتيال. وتحولت القاعدة العسكرية الأميركية الاوزبكية، كقواعد في عشرة بلدان اخرى، الى نسخ مصغرة من غوانتانامو، فأصبحت مراكز للتعذيب والاستجواب ـ مخالفة للقانون الدولي واتفاقيات جنيف ـ، ولتوقيف العشرات من المشتبه في انتمائهم للقاعدة. والادارة الأميركية على علم كامل باستخدام اجهزة كريموف لأساليب لا إنسانية.

ورغم قناعتي بإجرام وإرهاب القاعدة والمنتسبين اليها، الا ان ذلك لا يبرر، قانونيا، انتهاك حقوقهم الانسانية او انتهاك القانون عند استجوابهم.

وفي الوقت الذي تآمرت فيه وزارة الخارجية البريطانية، والخارجية الأميركية تحت قيادة كولين باول، ضد السفير موراي وديبلوماسيين أميركيين دقوا اجراس الإنذار بشأن جرائم كريموف، تدفقت المعونات الاقتصادية والعسكرية على نظامه وأجهزة مخابراته وأمنه القمعية. وللأسف لم تفق السياسات البريطانية والأميركية والأوروبية على اشارات الشعوب الديمقراطية في المنطقة، بإسقاط حكم عسكراكييف في كيرغيستان المجاورة، بإرادة شعبية، في الشهر الماضي، وقبلها ثورة الشعب البرتقالية في اوكرانيا بأنها آذان فجر بإنهاء هذه الدائرة المغلقة من القهر والاستبداد في وسط آسيا. لكن كريموف كان أكثر وعيا من لندن وواشنطن لما تحمله هذه الحركات من اخطار على الديكتاتوريات الشمولية، فحظر نشاط منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في العام الماضي، وكان صمت «العالم الحر» يصم الآذان. ولأن الصمت من علامات الرضى، مضى الرجل في سياسته القمعية فأصدر تحذيراته لسفراء بلدان الغرب في طشقند في يناير هذا العام، بأنه سيستخدم «كل القوة الضرورية» لاستئصال اي تحرك من اجل الديمقراطية، ولم يصدر عن لندن او واشنطن ما ينم عن احتمال تغير سياستهما تجاهه. وبعكس اوكرانيا وكيرغيستان، خلت اوزباكستان، بفضل مبادرات كريموف، من الأحزاب والمنظمات الديمقراطية المعارضة.

ومثلما حدث مع ديكتاتوريات الانقلابات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، عندما غابت منابر التعبير الحر والحوار، نمت الحركات الاسلاموية المتطرفة سرا في اوزباكستان، ولقيت دعم وتمويل اصحاب الفكر المتطرف من باكستان وبعض دول الخليج، ومن السذج المغرر بهم الذين جمعوا التبرعات معتقدين انها لأعمال الخير الاسلامية.

واشهر هذه التنظيمات، حركة اوزباكستان الاسلامية، التي نشطت في افغانستان المجاورة، وانهزمت مع الطالبان عام 2001، لكن فلولها اعادت التجمع تحت قيادة طاهر يولديش، في قاعدته على الحدود الباكستانية، حيث يتمكن من تمويل وتحريك المتطرفين في اوزباكستان. ويستغل كريموف هذه الشبكة في ايهام الأميركيين بأنه يكافح الإرهاب ـ بسبب علاقة الحركة الإسلامية بالطالبان والقاعدة ـ لكن المخابرات المركزية الأميركية «استعبطت» وتعمدت عدم تقصي الحقائق. فالأحداث ألاخيرة في انديجان، لا علاقة للحركة الاسلامية بها.

هاجم اقارب وجيران ومستخدمو 23 من رجال الأعمال السجن المركزي الذي اعتقل فيه المطالبون بالإصلاح. السبب الاساسي في التظاهر هو ظلم نظام كريموف وقمعه، ومصادرة البوليس لسيارات بعض رجال الاعمال في وسط المدينة. وتشير تقارير المخابرات البريطانية والباكستانية الى مرض كريموف الشديد، الذي يتكتمه نظامه بأسلوب سوفياتي. أما الكارثة فتكمن في ان طريقة تعامل لندن وواشنطن مع اوزباكستان حتى الآن، لا تبشر بالخير، فلو اراح الله شعب ازوباكستان من كريموف، فمن الأرجح ان يخلفه ديكتاتور آخر من نفس الطراز، لضمان مصالح واشنطن بنفس الشروط التي أسسها «الرفيق» كريموف.