القمة المغاربية المرتقبة .. تهديدات تحتاج إلى موقف موحد

TT

بعد يأس وشك طويلين في إمكانية عقد القمة المغاربية المرتقبة منذ تاريخ الدورة الأخيرة، التي عقدت في تونس عام 1994، توصل القادة المغاربة إلى تحديد أواخر الشهر الجاري كموعد مرتقب لانتظام الدورة السابعة لقادة الاتحاد المغاربي، وذلك بطرابلس العاصمة الليبية.

ولفهم أسباب اليأس الذي سيطر على المؤمنين المغاربة بجدوى الاتحاد المغاربي كهيكل للتنمية المشتركة وتوحيد الجهود، من الأهميّة بمكان التذكير بأن العمر «الورقي» لتأسيس الاتحاد يعود إلى تاريخ إعلان مراكش في 17 فبراير 1989، حين تم توقيع معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي، وذلك من قبل كل من المملكة المغربية، والجمهورية الجزائرية، والجمهورية التونسية، والجماهيرية الليبية العظمى، والجمهورية الإسلامية الموريتانية. وبمراجعة رصيد اللقاءات وعدد الدورات المنعقدة فإنّنا سننتهي إلى استنتاج مفاده قلة جدية الاتحاد، وعدم تغلغل القناعة بإحداثه إلى درجة تجعله في أعلى سلم قادة دول المغرب العربي.

لقد بلغ عدد دورات اجتماعات مجلس الرئاسة لاتحاد المغرب العربيّ ست دورات، واجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد اثنتي عشرة مرة، في حين بلغت اجتماعات لجنة المتابعة لاتحاد المغرب العربي تسعة وثلاثين اجتماعا.

لذلك، فإنّه ليس من باب التعسّف إذا قلنا إنّ فكرة المغرب العربي الكبير التي بعثها طلبة شمال إفريقيا في العشرينيات من القرن المنصرم بفرنسا لم تتقدّم الخطوات الكثيرة، اللّهم التقدم الشكلي وبعض الخطوات العملية المترددة والمتقطعة الإيقاع والجديّة.

وبطبيعة الحال لا يخفى على أحد بأن التماطل في عقد القمة المغاربية بما يزيد عن عقد كامل لم يكن بالتماطل المجاني، بل كان نتيجة وجود عدة عراقيل استسلمت لها النخب السياسية المغاربية، ولم تظهر قدرة على التمييز بين حتمية تفعيل آليات اتحاد المغرب العربي، وتحقيق الأهداف المعلنة في إعلان مراكش إعلان التأسيس، وبين وجود خلافات ثنائية سواء بين المغرب والجزائر أو بين ليبيا وموريتانيا.

وربما يصح الاستنتاج بأن التوصل إلى تحديد موعد مرتقب للقمة المغاربية السابعة في أواخر هذا الشهر، قد يكون بسبب التهديد الذي وجهه الرئيس الليبي معمر القذافي، الذي يرأس حاليا الاتحاد المغاربي، من دون أن ننسى الانفراج النسبي الذي حصل في العلاقات الجزائرية المغربية على إثر إلغاء تأشيرة الدخول إلى الجزائر بالنسبة إلى المغاربة، وهو ما ينبئ من جهة أخرى بقرب إعادة فتح الطرق البرية بين الجزائر والمغرب، خصوصا أن بعض المؤشرات بدأت تظهر وتدعم بوادر التحسن في العلاقات. وعموما يبدو أن درجة التحمس لمشروع الاتحاد المغاربي أصبحت أكثر جذوة من ذي قبل. ولكن في نفس الوقت تبدو آفاق التكهن بتفعيل الاتحاد، والمضيّ قدما في تحقيق المشاريع العالقة، متواضعة خصوصا إذا ما انتبهنا إلى أن العراقيل التي ما فتئت تمثل الأسباب القوية والجوهرية وراء تجميده لم تتم معالجتها. ونعني بذلك قضية الصحراء الكبرى ذات الفسفاط والآبار البترولية الخام، التي سيطرت بطابعها الجيوسياسي على معظم الخلافات المغاربية حتى تحولت إلى عقبة تنبئ بانهيار الاتحاد ككل وتلاشيه بفعل الموت البطيء.

وربما يتقلص الحجم الخلافي لقضية الصحراء الغربية إذا ما اقتنع المغرب بأنّ تلك القضية هي بين أيدي الأمم المتحدة، ومن الضروري تجاوز تفاصيل الخلاف وكواليسه وخلفياته، والتركيز على العلاقة الجزائرية المغربية في معزل عن نزاع الصحراء الغربية.

وفي الحقيقة من المهم جدا الكشف عن تفاوت في مسألة الحماسة لدور الاتحاد المغاربي في تذليل عدة مشاكل مغاربية عالقة، وحتى إذا وجدت النية فإن الترجمة العملية لا تكاد تذكر، وهنا يكمن مربط الفرس. فباستثناء تونس ذات الموقف المبدئي والدائم في التمسك بالاتحاد المغاربي، واعتباره خيارا لا رجعة فيه، فإنّ بقية القادة المغاربة يعيشون حالات متعددة منها حالة الإرجاء بالنسبة إلى المغرب والجزائر، وحالة يأس بالنسبة إلى ليبيا، خصوصا أن هذه الأخيرة قامت بالتهديد من الانسحاب من الاتحاد المغربي على إثر اتهامها الدول الأعضاء في الاتحاد بـ«التخاذل» خلال فترة الحصار الذي عاشته ليبيا، إضافة إلى اشتعال خلافها مع موريتانيا التي اتهمت طرابلس بالمشاركة في محاولة انقلاب تستهدف الرئيس الموريتاني ولد الطايع.

وبالتمعّن في الخيارات ذات الطابع الاستراتيجي للجماهيرية الليبية، وبالتحديد إسقاطها لأهمية جامعة الدول العربية، وتوجهها نحو القارة الإفريقية، وتدارك علاقاتها مع دول أوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، كل هذا قد يجعلنا نفكر في إمكانية إعداد ليبيا لمفاجأة ما، خصوصا أنّ بعض المراقبين اعتبروا أن تراجع الرئيس الليبي عن قرار الانسحاب من الاتحاد المغاربي تراجعا وقتيا ناتجا عن تدخلات، واضطرار القيادة الليبية إلى المجاملة.

وبقدر ما نجد مؤشرات ودلائل، ويجرفنا التحليل في اتجاه الإقرار باحتضار الاتحاد المغاربي، فان الواقع الدولي والمغاربي يجرّنا إلى أن مشروع الاتحاد بات ضرورة حيوية لدول المغرب العربي، وأن ذلك التفاوت في التحمّس بين القادة قد تحوّل إلى قناعة جامعة ومتساوية، حيث أبرزت مختلف المعطيات والمتغيرات بأنّ الاتحاد قاربٌ من قوارب النجاة المغاربية. فالأخطار المحدّقة بدول المغرب العربي هي نفسها، بل إنّ أي خطر يداهم دولة مغاربية فإنّ بقية دول المغرب لن تسلم منه. كما لا ننسى أن النخب السياسية المغاربية تعيش الآن ضغوطات أمريكية غير معلنة وأي استجابة، أو رفض لتلك الضغوطات والمطالب، تستدعي موقفا مغاربيا موحّدا. ويحتاج ملف الإصلاح السياسي في المنطقة بدوره إلى خطة عمل مشتركة ومحورية خصوصا أن نخب المغرب العربي لديها من التجربة التاريخية والحالية مع الغرب ما يجعلها قادرة على تشمم الخطر على بعد قارات!

إنّ التوصل إلى تحديد موعد مرتقب لعقد القمة المغاربية السابقة بعد أيام قليلة يعد خطوة أولى لفتح ملفات متراكمة ومستعجلة، ولا بد لهذه القمة، بالنظر إلى المتغيرات الداخلية والدولية المحيطة بها، أن تتحمل مسؤولية استقرار منطقة المغرب العربي، وذلك من كافة البوابات هذه المرة الاقتصادية والسياسية والدفاعية.

فماذا سيحصل بالنسبة إلى مشروع المجموعة الاقتصادية المغاربية، وكيف سيكون موقف القادة المغاربة من اقتراح وزير خارجية إسبانيا الداعي إلى قيام نظام للأمن والدفاع الجماعي بين دول المغرب العربي الخمس؟ والأهم من كل ذلك، هل سيترجم القادة المغاربة عمليّا فهمهم وإدراكهم للخلفيات الخطيرة للاقتراح الإسباني؟

[email protected]