وهل تحترم مقدساتنا لأجل نفطنا فقط؟

TT

يظن الكاتب المتمرس توماس فريدمان أن تضمينه شيئا من الموضوعية في كتاباته لتسويق فكرة سيئة ستنطلي على قرائه، ففي مقاله الأخير في «الشرق الأوسط» الخميس الماضي وصف عملية تدنيس المصحف الكريم بأنها، في حال التأكد من وقوعها، شنيعة جدا، وهذا في تصوري هو الوجه الحسن في مقالته، الوجه الآخر هو مقارنته وبتكلف شديد بين احتجاج المسلمين العنيف تجاه تدنيس القرآن الكريم وبين ما سماه صمتهم تجاه الأحداث الدامية في العراق والتي قام بها مفجرو القنابل هناك فأدت، حسب مقالته، إلى مقتل 400 «مسلم» عراقي خلال الشهر الماضي، وهي أحداث دامية يقول فريدمان إنها لم تثر أية مسيرة احتجاج في العالم الإسلامي!.

لا أظن أن السيد فريدمان، بذكائه وقوة ربطه بين الأحداث والموضوعات، قد نسي أحداث العنف الكبيرة التي اندلعت في أمريكا بسبب حادثة (رودي كنج) الشهيرة والتي جرت فصولها المأساوية قبل سنوات في ولاية كاليفورنيا حين انهال عدد من أفراد الشرطة الأمريكية (البيض) على هذا الشاب الأمريكي الأسود بالرفس والركل والإهانة، هذه الصورة العنصرية الكريهة كانت ستمضي مثلها مثل مئات الحوادث من انتهاكات حقوق الإنسان لولا أن مواطنا أمريكيا شريفا كان يطل من شرفة بيته على هذه الحادثة العنصرية فتمكن من التقاطها بالفديو وتسريبها إلى وسائل الإعلام الأمريكية فاندلعت أحداث عنف لم تنسها أمريكا بسبب تداعياتها ودلالاتها إلى اليوم. سؤالي هنا للسيد فريدمان، هل سيقبل مني أن أنتقد هذه الاحتجاجات من مواطنين أمريكيين على هذه الحادثة العنصرية فقط لأنهم سكتوا مثلا عن عدم الاحتجاج أو التظاهر بسبب كثرة قتلى حوادث المخدرات أو الاغتصاب أو جرائم العصابات في المدن الأمريكية والتي فتكت بالمئات بل الألوف من الأبرياء؟

كنا نتوقع أن أحداث 11 سبتمبر ستحدث انقلابا في طريقة تعامل الأمريكيين، سياسيين ومثقفين وإعلاميين، مع العالم الإسلامي وقضاياه، والذي ظهر انها بالعكس قد أفرزت على السطح خللا كبيرا في فهمنا، خاصة مثقفيهم وكتابهم والذين لا يفهمون التعامل مع العرب إلا بعقلية (النفط تلك الهبة السماوية في المكان الغلط)!

وكأن وجود النفط لدينا هو السبب الوحيد لاحترامنا او احترام مقدساتنا؟ للأسف لقد أصبحت مواقفهم وتحليلاتهم تدور وتدندن حول النفط واحتقار العقول التي تمتلكه وتسوقه وتستهلكه.

كان على السيد فريدمان أن يحلل السؤال الأكبر في هذه القضية : من الذي تسبب في حمامات الدم التي تجري أنهارا في المسرح العراقي تحت شعار تسويق الديمقراطية في المنطقة وفرض الإصلاحات ؟ وأية بيئة أنتجت أفرادا أمريكيين حكوميين يتفننون بغباء في تدنيس أقدس مقدسات المسلمين، ومثقفوهم في الوقت ذاته ينحون باللائمة وبكل غطرسة على الاحتجاجات ؟.

* كاتب سعودي