أخبار سعيدة من الجبهة

TT

خطوات صغيرة مشت الى الامام في مسيرة النزاع الفلسطيني الاسرائيلي تدعو للتفاؤل. اسرائيل تتعهد بان تنسحب من غزة وبعض الضفة الغربية خلال تسعين يوما مقبلة، وتسمح للمبعدين الفلسطينيين من المحاصرين سابقا في كنيسة المهد بالعودة الى فلسطين، مع وعود اخرى بتخفيف الحواجز وانهاء حالة «النفي» للفلسطينيين من اهل الضفة، ممن ابعدوا الى غزة.

صغيرة، لكنها في لغة السياسة تدل على انفراج محتمل، يؤكدها تعهد حماس، في اعقاب معركة الصواريخ، بالتزامها بالهدنة والكف عن الهجوم على الاسرائيليين. ولو سارت هذه الخطوات المسافة الطويلة التي تفصل بين الجانبين بنفس الايجابية، فاننا سنقبل الى نقطة سلام مماثل لما حدث بين مصر واسرائيل. مفاوضات شاقة وعثرات عديدة وشكوك مستمرة، الا ان عزيمة الطرفين أوصلتهما الى اتفاق الحد الادنى المعقول من مطالب البلدين. لم تنته تلك المفاوضات في كامب ديفيد الا بعد الكثير من التراجعات والانسحابات والاتهامات المتبادلة، واخيرا بالفعل عادت اكبر أرض عربية محتلة، اي سيناء الى المصريين. وبرغم تشكيك الكثيرين في صدق وعود السادات، فقد عادت بقضها وقضيضها، بكامل ترابها وبسيادة مصرية على القناة، وبآبارها البترولية وبمزاراتها اليهودية بما فيها جبل موسى، ومدينة طابا الاستراتيجية، التي علقت بين المتفاوضين وكادت ان تفسد الصفقة.

الرئيس الراحل انور السادات تميز بإصراره على موقفه، مراهنا على رؤيته السياسية المضادة لبحر العرب الهادر ضده، القائل باستحالة ابرام صفقة مع الاسرائيليين. وكانت الاعتراضات في البداية تركز على التشكيك في ان ينسحب الاسرائيليون، وعندما فاجأوهم وانسحبوا، صاروا يشككون في شرعية الصفقة، والظن بأن السادات قدم شيئا ما تحت الطاولة، لا بد ان يكون ثمينا جدا. السادات لم يقدم للاسرائيليين سوى ما كانوا قد حصلوا عليه بسبب تفوقهم، التعهد بنهاية الحروب. أما التطبيع فقد كان السادات ذكيا حيث تركه للناس، والمصريون رغم ما كسبوه، ظلوا في حالة جفاء وامتناع ذاتية، نابعة من كراهيتهم للممارسات الاسرائيليية ضد الفلسطينيين.

ويسعى الفلسطينيون الآن لدخول المطبخ اياه، ولكن في ظروف اكثر سخونة وتعقيدا، وان لم تكن اكثر خطورة مما واجهه السادات. واجزم ان قراءة تجربة السادات الثرية والنادرة، ستدلهم على مفاتيح كثيرة في فهم كيف تجاوز العقبات الصعبة على الجانبين. تجربته تميزت بأهم شيء، اصراره على تنفيذ رؤيته لا رؤية غيره. رؤية كانت عقلانية مسؤولة، لا عاطفية دعائية. والفلسطينيون بدورهم يحتاجون الى السير لما فيه مصلحتهم قبل أي شيء آخر، بغض النظر عما تقوله افتتاحيات الصحف وتهول به محطات التلفزيون. يحتاجون الى مغالبة الخوف في داخلهم بتوقع اسوأ احتمالات المشروع، وعدم الانسياق الى مصائد المرجفين من العرب والكارهين المستفزين اليهود. عندما تبدأ المفاوضات ستكون طويلة زمنا، ومرهقة في تجاذباتها، وسيرجم المشاركون بكل التهم والخضر الفاسدة، وربما الرصاص، لكن الهدف الأخير يستحق كل هذه المخاطر.

[email protected]