سؤال: وأين هي الأحزاب المصرية؟

TT

نشرت جريدة كل العرب «الشرق الأوسط» في عددها الصادر يوم 29/4/1426 خبرا يقول: الشريف يؤكد موافقة 10 أحزاب على ترشيح قياداتها في انتخابات رئاسة الجمهورية. وهو الأمر الذي يدعو للوقوف أمامه طويلا، والتمعن في مغزاه السياسي. فالساحة المصرية تعج بعشرات الأحزاب، التي لا تتعدى شعبية معظمها عشرات من الأفراد أو عدة مئات، بل يصل الحد أننا لو حاولنا إحصاؤها لن نفلح، لهبوط شعبياتها وغيابها عن الساحة السياسية، وافتقارها إلى المقومات الحزبية الحقيقية; بل وصل الأمر في المرحلة السابقة أن الحكومة المصرية كانت تقدم لهذه الأحزاب دعما ماليا وبعض التسهيلات حتى تقوى على الوقوف في الساحة السياسية، ومع هذا لم تُقدر هذه الأحزاب مسؤولية المشاركة الحزبية وضرورة توسيع قاعدتها الشعبية، وظلت محلك سر; وغالبا ما كان الرئيس مبارك يتكرم بتعيين رؤساء هذه الأحزاب في البرلمان بقرار منه، نظرا لحرصه على الشكل الديمقراطي. ويمكن للمتفحص في خريطة الأحزاب المصرية أن يجد أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

* الحزب الوطني، وهو حزب الأغلبية، الذي تنتمي إليه الحكومة وكل مؤسسات الدولة.

* أحزاب ذات شعبية متفاوتة، وينتمي إليها حزب الوفد، وحزب التجمع، وحزب العمل، والحزب الناصري، وحزب الأحرار، ويضاف إلى هذه الفئة حزب الغد، حركة الإخوان المسلمين المحظورة، وحركة كفاية.

* مجموعة من الأحزاب المحدودة للغاية والمعدومة الشعبية، منها حزب الدستور، الجيل، الخضر، الوفاق، مصر2000، مصر العربي، التكافل، الوفاق العربي... وغيرها من الأحزاب الأخرى.

ويبدو من المشاورات الجارية بين الحزب الوطني والأحزاب الأخرى أن القسم الثاني من الأحزاب المصرية يرفض الاشتراك فيما يرسمه الحزب الوطني من سياسات، ويطالب بديمقراطية اثنية حقيقية. أما القسم الثالث من أقسام الحركة الحزبية المصرية، فأقصى ما عنده أن يظهر في وسائل الإعلام، وينال رضا قادة الحزب الوطني، عن طريق الوفاق معهم. لذلك ليس من المستغرب أن نقرأ أن الحزب الوطني قد رتب مع قادة هذه الأحزاب الخطوط العامة للمرحلة القادمة، لتلبس التجربة المصرية في بناء الديمقراطية ثوبها النهائي، حتى وإن كانت به بعض الثقوب; التي تحتاج إلى تكاتف كل القوى الوطنية السالفة الذكر، وليس جزءا منها، حتى تخرج للعالم كله بأبهى صورها.

غير أن قادة الأحزاب الكبار، ذات الشعبية المتفاوتة، والتي تشكل ثقلا في الشارع السياسي، يرفضون الاشتراك في هذه الدراما السياسية، وينأون بأنفسهم عن منطقة الشبهات، منذ فشل الحوار الذي تم بينهم وبين قادة الحزب الوطني الحاكم في مصر، قبيل الاستفتاء على تعديل المادة 76 من الدستور المصري. غير أن موقفهم من الاستفتاء الذي تم يوم 25 مايو 2005 على تعديل المادة 76، وذلك بمقاطعة الاستفتاء، لا يحسب لهم. فقد قرروا الانسحاب من أرض المعركة تاركين الجمل بما حمل. فبدلا من تحمل المسؤولية الوطنية، وليست الحزبية، والمساهمة في توعية الشعب والذهاب إلى لجان التصويت والتعبير عن رأيهم، رفضا أو قبولا، الذي كان ربما سيغير كثيرا من نتيجة الاستفتاء، وليس من المستبعد لصالحهم، لزموا بيوتهم وتخلوا عن مسؤوليتهم الوطنية تجاه شعب مصر، والتزموا بتوجهاتهم الحزبية فقط، وكأن شيئا لم يكن.

واليوم يتكرر نفس السيناريو، ويرتب الحزب الوطني مع الأحزاب الصغيرة أوراق المرحلة القادمة في غياب الأحزاب الكبار، وسوف يصبح قانون مباشرة الحقوق السياسية والانتخاب وغيرها من القوانين، واقعا رغم أنوف قادة الأحزاب الكبار. عندئذ سنتساءل: أين كنتم أيها المعارضون وقت صدور هذه القوانين المُعدلة؟ وسيسأل الجميع أين كانت الأحزاب المصرية؟ وعندئذ سنجد الإجابة على لسان الأحزاب الصغيرة التي قَبِل قادتها ترتيب الأوراق مع الحزب الوطني، وهو أقصى ما كانوا يتمنونه، وسيُنصب التاريخ يوما ما محكمة للأحزاب المصرية التي آثرت الحزبية على الوطنية.

* أكاديمي مصري يعمل بالسعودية