لماذا ؟

TT

سوف يحاكم صدام حسين بموجب 12 تهمة وليس 500 تهمة اعدت في الاصل. وسوف يكون الأمر مضحكاً. انها مثل الاحكام بالسجن 1200 عام التي تصدرها المحاكم الأميركية. سوف يكون الأمر مضحكاً. وسوف يقف امام القاضي ويهاجم هيئة المحلفين ويندد بالظلم العالمي كما فعل سلوبودان ميلوشيفتش في لاهاي. وسوف تقول الاخبار ومنظمات حقوق الانسان ان صدام مصاب بارتفاع الضغط وان معاملته غير لائقة انسانياً، هو وعلي الكيماوي. الفارق بين المرتكب وبين محاكمته دهر كامل. زمن طويل من العذاب والقهر والاستبداد والعويل. وهذا لا يلخص في خطاب الاتهام أو في خطاب الادعاء. المحاكمات فوق مدن الجماجم تضحك اكثر مما تبكي. حكم فردي بالاعدام وينتهي الأمر. وترسل الصورة الاخيرة إلى التاريخ، كما ارسلت صور موسوليني وبول بوت. والاخير كان يرتدي التنورة الكمبودية ويتكئ على عكاز من القصب. ولم يذهب إلى المحكمة بل تم العثور عليه ملقى على سرير حديدي وهو يبتسم. لقد نسي الرفاق ان ينادوا على الطبيب تلك الليلة، فسكت قلبه فوق ثلاثة ملايين جمجمة اراد ان يزين بها ساحات المدن قبل ان يذهب لإقامة الثورة الزراعية. نسي أن العبيد لا ينتجون. بدل الثورة حقق مجاعة كبرى. وعندما جاء كسياو بنغ بعد ماو، كان أول ما فعله تحويل الشعب من عبيد إلى ناس. واعطى للمزارع ان يزرع ويحصد ويجني. وفي سنة واحدة ارتفع معدل الانتاج الزراعي 48 %. يتصرف الطغاة، في كل شيء، على انهم آلهة. بول بوت وتشاوشسكو وصدام وستالين نقلوا البشر من مكان إلى مكان. والآن عاد اهل الاهوار إلى ديارهم. بول بوت نقل كامبوديا من كارثة إلى كارثة. وكان يسمي ذلك دائماً النصر. وكان في كل خطاباته يتحدث عن الانجازات. وكانت الصفوف الامامية تصفق والصفوف الخلفية تموت واقفة من الجوع والبرد والخوف. انها صورة ام المعارك تتكرر في الازمان والامكنة.

البحث عن 500 تهمة لصدام حسين امر مضحك. الا يكفي شريط واحد من الشرائط التي عرضها التلفزيون العراقي؟ الا تكفي شهادة ارملة واحدة من ارامل رفاقه ووزرائه، بل ارامل أصهاره اذا اقتضى الامر؟ الكلام عن 500 تهمة عملية تسخيفية لإحدى اهم القضايا البشرية في التاريخ: قضية احتلال الكويت وتجويع العراق وحصاره وتعريضه للاحتلال والمجازر والحرب الاهلية وسفك دماء ابنائه وسفح ثرواته وطمر مستقبله تحت كل انواع واشكال الخراب.

طبعاً ظل صدام يرفع شارة النصر. وبول بوت ايضاً. وموسوليني. وجميع الذين يفقدون الايمان بالله. ويصدقون ان لهم قوته وجبروته وعزته وديمومته. فاذا عقاب الكفر حفرة صغيرة او سرير حديدي. وليلاً تهمس خلاله ملايين الارواح في اذانهم واطفال يطرحون سؤالاً واحداً: لماذا ؟