أقوال بعد الاغتيال

TT

لا تزال أصداء واقعة اغتيال الصحافي اللبناني البارز سمير قصير تتردد على صفحات الجرائد العربية سواء أكان ذلك عبر التغطية الاخبارية المتواصلة للحدث أم عبر آراء شخصية تنعي الفقيد الراحل. ولكن مع الأسف الشديد لا تزال الكثير من المقالات لا ترى في سمير قصير سوى أن أصله فلسطيني لأن والده فلسطيني وأن أمه ايضا سورية متناسين أنه لبناني وطني بامتياز.

ولا يزال هذا النوع من الطرح تخصصاً عربياً فريداً، فلا همَّ لكثيرين سوى البحث عن أصل فلان ومن أين جاء وأين يسكن، كل ذلك كأسلوب «لوزن» الرجل وقياس جدارته. انها العقلية المتخلفة التي لا تزال تقسم أبناء الوطن الواحد الى فئات بحسب مرجعيات شديدة التعصب. دول ذات تعداد بسيط من البشر وتقسم أبناءها: مواطن أصلي، وآخر مجنس، وآخرون بدون، وهكذا، انه عصر تهجين المواطن.

غياب سمير قصير، اللبناني الحر وهو الذي لم يعجب من خرجوا من لبنان بعد ثلاثين عاما فيه ولا الذين عادوا اليه بعد خمسة عشر عاما من الغياب عنه، فيه الكثير من الدروس والعبر عن وضع الكلمة الحرة ومكانتها في العالم العربي. فالعالم العربي لا يزال مكانا لمكافأة الصحافيين بولائهم بالمال والهدايا أو مكافأتهم لكلمتهم الحرة بالقتل أو العقوبة، هكذا ولا خيار ثالث بينهما. ولائحة ضحايا الموت سواء من بعض الحكومات أو من المتطرفين الذين يتحدثون باسم الدين والدين منهم براء تشهد على ذلك.

في موت سمير قصير و«شلال» أو «سيرك» التعليقات التي تلت ذلك يحمل لنا موقف معظم الحكومات العربية من النقد المباشر وعدم قدرتها على قبول فكرة ذلك وكذلك ايضا يظهر هشاشة المجتمعات العربية في قبول فكرة الوطن والمواطنة واعتمادها على رؤية فرعية لانتماءات ثانوية محددة.

في الجزائر كانت قوى الظلام المتحدثة باسم الدين تقتل الصحافي تلو الآخر، وذات الشيء حدث في مصر وفي السودان وفي اليمن وحدثت محاولات في الكويت وتهديدات هائلة للكثير من الاقلام السعودية وقامت بعض «القوى» الأخرى بإخفاء أحد الصحافيين تماما وتغييبه، وتجريد آخر من ملابسه ورميه في الصحراء وآخر سجن في الزنزانات المظلمة الى آخر ذلك من المسلسل الطويل من المهانات.

حادث الاغتيال البشع الذي وقع لسمير قصير من الممكن أن يكون فرصة لاعادة تقييم وضع الكلمة ومدى حريتها وقيمتها في المجتمعات العربية وكيفية تحسين المناخ الملائم لذلك. الصحافة بالنسبة للبعض هي مهنة متاعب ولآخرين هي مهنة المرتزقة، ولكن هناك أمماً تعتبرها سلطة رابعة فيها مساحة للنقد والتقويم لو أحسن استغلالها لكانت قوة داعمة وفاعلة لبناء المجتمع السوي.

[email protected]