أحرار أخيرا!

TT

في حين تغطي وتبرر وتغفر التقاليد الاجتماعية الجنوح المتأخر في المراهقة الثانية للرجل، فتمنحه فرصة لتجديد الشباب والبحث عن زوجة صغيرة (أو ما شابهها) يجدد الرجل فيها شبابه، فإن المرأة لا تجد مسلكا للتخلص من آلام التقدم في العمر إلا بالبحث عن بدائل العطارين و(جراحي البلاستيك) لإعادة ما أفسده الزمن، وكلا هذين المخرجين الهاربين من استثمار الزمن لصالح المعرفة حدثا بسبب أن مجتمعاتنا لا تحب أن تناقش أزماتها النفسية وتكشف عن مواطن ضعفها وألمها إلا بالهروب من حقائق الوعي المؤلمة.

تقول أيدا لوشان: إننا في تلك الفترة نواجه بالحقيقة الحادة الأليمة حقيقة أننا غير خالدين، وهي الحقيقة التي لا نصدقها ولا نحتملها، فمن هم دون سن الخامسة والثلاثين أو الأربعين يعتقدون بأن الحياة أمامهم إلى الأبد.

وتظن المؤلفة أيدا لوشان أنك ستصرخ (أحرار أخيرا شكرا للعلي القدير)، إذا ما واجهت مراهقتك الثانية بتحرك شجاع خلاق، ففي منتصف عمرك حين تمر بما يسميه علماء النفس «أزمة منتصف العمر»، التي يعرفها البعض بالمراهقة الثانية، تكون قد حظيت بفرصة لاستكمال مسيرة أزمة الهوية التي بدأت في المراهقة لتدرك المعنى الحقيقي لمن تريد أن تكون!.

ولأني متأكدة أن جميع قرائي هم دون سن الخامسة والثلاثين فانني أؤكد لهم أن كتاب (أيدا لوشان) «أزمة منتصف العمر الرائعة» ليس خاصا فقط بمن هم فوق 35 عاما أو من يواجه أزمة منتصف العمر، بل إن على الراغب في العلم أن يقرأه عشر مرات، في كل مرة يدخل فيها عقداً جديداً من الزمن، بعد أن يكتشف أن حقائقه تغيرت، وأن قيمه تحولت، ويلمس في قلبه وخزا مما علمته الدنيا، وأنها ما زادته إلا سوء ظن بالناس والخسارة.

أيدا لوشان تقول إن هذا الألم هو رفيق رحلة النضج والنمو، وأن منتصف العمر هو الفترة التي يمكن للمرء أن يكون ذاته بكل العمق والصدق، ففي هذه المرحلة من الحياة أصبحنا في غير حاجة ورغبة في الاعتماد على الآخرين وأكثر استقلالية عن أي وقت مضى فلم نعد بحاجة للتنازل عن الحب والقبول بل ونملك القوة والنضج والحكمة التي جمعناها خلال الكثير الذي عشناه، وفي منتصف العمر سنتخلص من الأحمال الثقيلة التي حملناها من المفاهيم ونحن أطفال مثل (اننا يجب أن نكون طيبين حتى يكون الآخرون طيبين معنا، ويجب أن نذاكر جيدا حتى ننجح، ويجب أن نقول الحق دائما حتى نكافأ بالحب والقبول، وجميع أفراد الأسرة يجب أن يتحابوا!).

وبذلك كونَّا مزاعم عن الحياة وأصبحنا نؤمن بوجود صفات لا وجود لها، فالطيبون من الناس كثيرا ما يقهرون، وبعض ممن يتمتعون بالمال والنفوذ قد ذاكروا أقل ما يمكن، وأحيانا لا يحب أفراد العائلة بعضهم بعضا، وفي بعض الأحيان يتسبب قول الحق في مشاكل لا نستطيع معالجتها!.

أن تَكَسُّر قشرة المزاعم الرائجة في كتب المطالعة والصحف أمام أعيننا، لهو ثمن لا يدفعه فقط المارون بأزمة منتصف العمر، بل ربما أمثالكم ممن شارفوا على مقاربة العشرين، لذا فأنني أنصحكم أن تقرأوا أيدا لوشان لتصبحوا (أحرار أخيرا شكرا للعلي القدير)!.

[email protected]