خروج خدام لا يقدم

TT

هلل البعض لاستقالة عبد الحليم خدام، كونه أحد اقطاب العمل السياسي في سورية، على انها تغيير حقيقي، وهي في ظني مجرد خروج موظف آخر. لا قيمة حقيقية لتغيير في داخل مؤسسة كبيرة، الا اذا كان جزءا من تغيير في منهج الدولة. فخدام نفسه غاب عن الساحة من قبل لأكثر من عام، ولم يشعر أحد به، فما الفارق بين الغيبتين؟

الذي لا يفهمه الرافضون للتطوير، ان التغيير طال كل مكان في العالم، حتى في الدول التي نحسبها متكاملة الهياكل والأنظمة والأفكار والأفراد. بريطانيا، الدولة العريقة في مؤسساتها، عاشت مخاضات تغيير كبيرة منذ مطلع الثمانينات، وهي تتغير الى هذه اللحظة. بدأت عندما قررت مارغريت ثاتشر، عن حزب المحافظين، تغليب دور القطاع الخاص وإضعاف دور النقابات. ونجح الانتقال بعد معارك شوارع كبيرة وبسببها تغيرت البلاد وجها ومضمونا. ثم عادت عجلة التغيير تستكمل ما بدأته، وهذه المرة من خلال توني بلير عن حزب العمال، الذي استهدف الجوانب التشريعية بما فيها أنظمة عمرها ثلاثة قرون، تمس المجالس النيابية والنظام الوراثي لمجلس اللوردات، وإضعاف الحكومة المركزية لصالح حكم الولايات، او كما تسمى هناك بالأمم، مثل اسكتلندا وويلز. ان احدا لم يقل ان هذه الدول مكتملة ولا تحتاج الى تغيير، وان التغيير خاص بالدول النامية، بل كانت تغييراتهم كبيرة ومست كل جوانب الدولة.

وسورية، مثل غيرها من البلدان النامية، في حاجة ماسة، ليس لتغيير افراد، بل تبني سياسات ملائمة للبلاد، لا تنظر فقط لقضايا النزاعات الإقليمية او الاشكالات المحلية، بل الى الصورة الأشمل. فهي ايضا، مثل معظم الدول العربية، تنام وتستيقظ كل يوم على اسلوب حركة، ربما كان مناسبا في الخمسينات، لكنه قطعا لا يستطيع السير اليوم.

اتفهم مخاوف الانظمة السياسية المتقوقعة، التي ترى «بعبعا» في التغيير خشية امرين، واحد الخوف من القوى المعادية خلال الانتقال، والثاني، وهو الأخطر في نظرهم، الحذر من انهيار البيت اثناء اصلاحه. فقد افزعتهم التجربة الانتقالية السوفييتية الروسية، كما افزعت كل المراقبين في الدول التي تعترف بضرورة التغيير وأهميته، لكنها تخاف من تبعاته. وأمامنا نماذج عديدة توضح ان معظم دول العالم تغيرت، والتي لم تتغير ستتغير رغما عنها. الصين نموذج ملائم للباحثين عن التغيير التدريجي. فالصين تغيرت منذ منتصف التسعينات بشكل كبير جدا في القوانين والأفراد وحتى في الملبس. تغييرها اقرب الى الثورة على نظامها القديم لكنه نفذ بيسر وحزم.

سورية دولة كبيرة لم تأخذ حظها بعد لسبب واحد، انها تسير بنفس النظام القديم، وهنا يأتي دور قيادتها التي تستطيع ان تقوم هي بالانتقال الضروري، اما تغيير الافراد فلا قيمة له على الأرض، ما لم يصاحبه انتقال الى مرحلة جديدة في الانظمة الادارية والاقتصادية والسياسية.

[email protected]