هل تخرق واشنطن تحالفات طهران الجديدة..؟

TT

تزداد الدعوات المتقاطعة في إيران بالنسبة الى المشاركة في انتخابات السابع عشر من الشهر الجاري او مقاطعتها، ولمس الحكم المسافة التي ابتعد فيها الشعب الايراني عن رموز الثورة، وذلك في الذكرى السادسة عشرة لوفاة مؤسس الجمهورية الاسلامية آية الله الخميني، في الرابع من الشهر الجاري، إذ انه من اصل51 مليون نسمة، سكان طهران، لم يلبِ الدعوة للاحتفال بتلك الذكرى سوى حوالي 100 الف نسمة، وفضّل الباقون التمتع بيوم إجازة.

ومع الحملات الانتخابية التي يخوضها المرشحون الثمانية، يتجلى واقع ملموس في ايران وهو انها اصبحت «إيرانين»، إذا جاز التعبير. فهناك ايران السياسة الداخلية التي تحرك «باسيجها» وحرس ثورتها للهتاف «الموت لأميركا الشيطان الاكبر»، وهي نفسها التي تحاصر الطلاب وتزج بأصحاب الرأي في السجون، وتغلق الصحف الليبرالية، وترفض اي إصلاح سياسي يمكن ان يؤدي الى انفتاح قد يطيح بمراكز القوى فيها. وهناك ايران الثانية التي تملي التصرف على ايران الاولى، فإيران الثانية ترمي بثقلها لاستغلال موقعها الاستراتيجي، وتحريك ثرواتها نحو كل ما يصب في مصلحتها، وتعقد اتفاقيات اقتصادية، وتجارية، ونفطية ونووية، راغبة في ذلك تخفيف الضغوط الاميركية عنها، وإيجاد حلفاء يقفون الى جانبها، من أجل مصالحهم، عندما ستشتد الضغوط بعد إجراء الانتخابات.

كان قد تردد ان المرشح الأوفر حظاً هاشمي رفسنجاني وافق على ترشيح نفسه، بعدما توصل الى اتفاق مع المرشد الاعلى للثورة الاسلامية آية الله علي خامنئي، الذي وعلى الرغم من سلطاته القصوى يبقى سجين القوى الاخرى التي تتحرك في ظلّه، وكي يحرر نفسه من المتشددين الاصوليين، ولكي يبقى ويحافظ على النظام يحتاج خامنئي الى رفسنجاني المحنّك سياسياً، والى نفوذه في القطاع الخاص وعلاقاته المتشعبة والواسعة داخل ايران وخارجها، وبدوره ومن اجل ان يبقى نفوذه قوياً وكي ينقذ النظام من المستنقع الذي يغرق فيه، الأمر الذي يهدد بقاءه ايضاً، يحتاج رفسنجاني الى سلطات خامنئي. وبناء على هذا الاتفاق ولتحقيق اهداف بعيدة، قال رفسنجاني إنه سيضع مسألة العلاقات الاميركية ـ الايرانية على قمة اهتماماته.

ومن اجل ان يرضي «ايران» الاولى أشار رفسنجاني الى التغييرات الكثيرة الجارية في العالم: «يجب ان لا يعتقد احد بإمكانية تطبيق المنهج نفسه، والسياسات نفسها التي كانت معتمدة مع بدء الثورة او في نهاية الحرب الايرانية ـ العراقية»، وكان بذلك يحاول تقريب الطلاب الذين تساءلوا عن جدوى الانتخابات في ظل القمع المستشري في البلاد! لكن رفسنجاني يعرف ان مقاطعي الانتخابات، و معارضي النظام لن يحققوا اي انتصار، وان النصر هو للمتشددين من امثاله الذين يعرفون كيف يحركون ناخبيهم، وكيف يتلاعبون بالأرقام لإظهار نسبة عالية من المشاركة، حتى ولو قاطعها الشباب الذي اوصل عشرون مليون منهم محمد خاتمي الى الرئاسة. أما «ايران» الثانية التي يعرفها جيداٍ رفسنجاني، فهي الضمانة الحقيقية للنظام، وهي التي سيعمل على تثبيتها وتقويتها، اذ دفعت السياسة الخارجية الاميركية ومغامراتها العسكرية الى تكوين تحالفات جيو استراتيجية جديدة في العالم، كان ابرزها المثلث الجديد المكّون من: الصين، وايران وروسيا.

منذ ثمانية عشر شهراً تزداد العلاقات رسوخاً ما بين بكين وموسكو، بحيث اصبحت الصين اكبر مستورد للسلاح الروسي، إضافة الى صفقات نفطية ومشاركة في الاستثمارات النفطية الروسية.

ومن روسيا يتطلع النهم الصيني الى النفط الايراني، فقد وقّعت شركة «جوهاي جينرونغ» المملوكة من الدولة عقدا مع ايران لاستيراد 110ملايين طن من الغاز الطبيعي لمدة 25 سنة، والحقت الصين هذا الاتفاق بآخر وقّعته شركة «سينوبيك» المملوكة هي الاخرى من الدولة، لاستيراد كمية إضافية من الغاز الطبيعي 250 مليون طن، إضافة الى تصدير 150 الف برميل من النفط الايراني يوميا ولمدة 25 سنة ايضاً. وتبلغ قيمة هذه الصفقة 100 بليون دولار اميركي. وبالطبع، لم تأخذ الصين بعين الاعتبار القانون الاميركي لمقاطعة ايران وليبيا، الذي يغّرم الشركات الاجنبية اذا ما استثمرت بأكثر من عشرين مليون دولار في اي من البلدين.!

تجاوز القوانين الاميركية ليس بجديد على الصين او روسيا، فالدولتان تقومان ومنذ منتصف الثمانينات بتزويد ايران بالصواريخ المتقدمة وتقنية الصواريخ، وإضافة الى صواريخ «سيلك ـ وورم» المضادة للسفن، باعت الصين ايران صواريخ كروز جو ـ جو، كما انها وروسيا ساعدتا ايران على تطوير صواريخها الباليستية البعيدة المدى، وتضمنت هذه المساعدة تطوير صواريخ شهاب 4 و3 التي يصل مداها الى الفي كيلومتر، كما ذُكر ان ايران تقوم بتطوير صواريخ يصل مداها 3000 كيلومت. في الماضي هددت اميركا عدداً من الشركات الصينية والروسية بالمقاطعة الاميركية لبيعها الصواريخ والتقنية لايران، وبدل ان تتوقف المبيعات، ازدادت نسبتها، وتماماً كما العلاقات ما بين روسيا والصين، والصين وايران، فان العلاقات ما بين روسيا وايران تقدمت كثيراً في الاشهر الماضية، وإضافة الى الاستثمارات الروسية في ايران، وتجارة السلاح القائمة بين الدولتين، فقد أخذت روسيا مكان المانيا في تزويد ايران بالصناعة النووية، التي يمكن ان تجعل ايران لاحقا، مالكة للسلاح النووي.

اضافة الى العلاقات الاقتصادية، والعسكرية والتجارية في ما بين دول التحالف الايراني، الصيني والروسي، فإن هذا التحالف اسس لسياسة خارجية متناسقة. وتشترك الدول الثلاث بسياسة موّحدة حول تايوان والشيشان، وتدعم الصين وايران بالكامل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حربه ضد المتمردين الشيشان، وتدعم ايران وروسيا بكين في سياستها الواحدة التي تغطي تايوان. وتبرز قمة هذا التحالف في دعم الصين وروسيا لبرنامج ايران النووي، وكانت حكومة بوتين اكدت مراراً بأن روسيا لن تصّوت على اي قرار لمجلس الأمن يدين برنامج ايران النووي، او يدعو الى فرض مقاطعة اقتصادية دولية عليها، وفي شهر شباط (فبراير) الماضي قال الرئيس الروسي انه مقتنع بأن ايران لا تعمل على امتلاك السلاح النووي، وانه بالتالي ينوي زيارتها.

من جهتها رددت الصين موقف موسكو لجهة معارضتها اصدار مجلس الأمن قراراً دولياً ضد ايران، وبعد التوقيع على اتفاقيات الغاز والنفط في شهر تشرين الاول (اكتوبر) الماضي، قال وزير الخارجية الصيني، إن بلاده لن تؤيد اي قرار دولي ضد برنامج ايران النووي، وأهمية الموقفين الصيني والروسي ان الدولتين تملكان حق النقض.

ويكشف تأييد الصين وروسيا لبرنامج ايران النووي عن القوة الدافعة وراء الحلف الايراني ـ الصيني ـ الروسي، لمواجهة احادية السياسة الاميركية ونواياها في السيطرة العالمية. بالنسبة لبكين وموسكو، فإن هذا التحالف يهدف الى تخفيف النفوذ الاميركي في آسيا وآسيا الوسطى والشرق الاوسط، اما بالنسبة الى النظام في ايران، فإن ابقاء اميركا بعيدة عن التدخل المباشر في الشأن الداخلي، امر ضروري للمحافظة على بقاء النظام واستمراره بشكله الحالي.

«ان ساعي البريد يطرق الباب مرتين»، وهذا ينطبق على رفسنجاني في رئاسته المقبلة، فهو ليس ببعيد عن الاتصالات السرية باميركا (جرت لقاءات بين ممثليه والاميركيين في جنيف سابقاً)، وقد يستعمل التحالفات الجديدة لإغراء الاميركيين، ويساعده في ذلك ارتفاع سعر النفط وكذلك عودة اصوات اميركية الى اعتماد سياسة الاحتواء بدل سياسة تغيير الانظمة، وتجدر في هذا الخصوص قراءة مقال ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، في مجلة «الفورين ريبورت» العدد الاخير، حيث يظهر خفوت دعوات المحافظين الجدد..!