علم لا ينفع

TT

طالع العديد من السعوديين إحدى صحف بلادهم وهي تبرز في صفحتها الأولى نتيجة «بحث» قدمه «خبير» متخصص يبين بأن انشودة طلع البدر علينا لم يستقبل بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين وصوله للمدينة المنورة في هجرته من قبل سكانها كما هو معروف ومتداول، ولكن هذه الانشودة ظهرت فقط في القرن الثالث الهجري وتم نشر هذا البحث في احدى المطبوعات الدورية المتخصصة.

ومن قبل ذلك منحت إحدى الجامعات شهادة الدكتوراه لأحد طلبتها في بحث عن كون والدي الرسول صلى الله عليه وسلم في النار.

والحقيقة أن هذا النوع من الابحاث التي تستهلك الكثير من الوقت والمال والجهد الجماعي يمكن أن يطلق عليها العلم الذي لا ينفع وهو الذي يستعيذ منه المسلمون في دعائهم دوما، وهذان المثالان ليسا الوحيدين بطبيعة الحال فهناك العديد من «الابحاث» وشهادات الدكتوارة التي منحت لمواضيع لا فائدة منها البته سوى الحصول على جاه دال الدكتواره أو فرصة النشر للموضوع، ولكن كل ذلك يكلفنا مالا ووقتا ممكن صرفه بصورة أفضل.

ولذلك تأتي الحملة الاعلانية الخاصة بمركز الأمير سلمان لابحاث الاعاقة كبشارة خير نظرا لتوجه هذه الابحاث نحو علاج مشكلة هامة وحيوية تمس المجتمع بأسره وكان جميلا استخدام شعار «علم ينفع الناس» لتوضيح هدف المركز وموضحا بالتالي أن هناك علوما بطبيعة الحال تضر الناس ولا تنفعهم.

ولقد نجح هذا المركز بالرغم من تاريخه الجديد نوعا ما في ايجاد شراكة حقيقية ما بين القطاع الخيري وبين قطاع الأعمال بشكل فيه مصلحة وافادة للطرفين والخروج من فكرة «مد اليد» للحصول على التبرعات المحدودة والوصول الى فكر خيري جديد فيه الكثير من القيمة المضافة والحرفية الواضحة.

لقد كان ملفتا في الصفحات الأولى لصحف سعودية وأميركية في اسبوع واضح تغطيتها للموضوع المحلي الرئيسي فيهما. فالصحف الأميركية كانت تغطي تطورات وضع السماح بتشريع ابحاث الخلايا الجذعية وهو المجال الذي سيعتبر نقلة نوعية حقيقية في عالم الطب، وسعوديا كانت قضية قيادة المرأة للسيارة كانت هي الموضوع الأبرز، والغريب ان كلا القضيتين كان الجهة المعارضة فيها هو الرأي المتشدد في كلتا البلدين وان كان ايضا توجد آراء دينية في البلدين لهما آراء ايجابية وغير اعتراضية.

حقيقة الفجوة الفكرية كبيرة في الاهتمام الموجه للمواضيع السطحية مقابل التركيز على المهم والأهم ولذلك تأتي حملة مركز الأمير سلمان لابحاث الاعاقة كفرصة ايجابية للتركيز على العلوم التي تنفع وترك العبث في الذي لا ينفع. وكل الأمل أن لا تبقى هذه الحملة وحيدة وأن يلحقها بالتقليد حملات في مجالات أخرى كثيرة فهي مطلوبة.

[email protected]