هل لدينا حقا عبيكانيون جدد!

TT

لم تبدع حركات الإسلام السياسي المعاصرة أداة قمعية لمواجهة من يختلف معها، مثل «التصنيف» الذي يطال الأفكار والأشخاص والتيارات، وحتى المجتمعات والأنظمة السياسية، وتختلف درجة هذه التصنيفات من حيث علاقتها بالأحكام الشرعية تكفيراً وتفسيقاً واتهاماً بالجاهلية والمروق، أو من جهة ضخها بمدلولات أخلاقية كالاتهام بالفجور والعمالة والخيانة للأمة.. الخ. وما أن ؟؟؟ «تصنيف» من لدن منظري هذه الجماعات، حتى يتلقفه الاتباع ويتم تعميده عبر التداول في أدبيات هذه الجماعات ومنتجاتها الثقافية المقروءة والمسموعة وعلى شبكة النت، وبقراءة أولية لأركولوجيا هذه الظاهرة، يمكن تلمس جذورها في التراث الإسلامي لا سيما في مرحلة تشكّل الفرق الدينية المتناحرة على تمثيل السلطة السياسية وادعاء ملكية الخلاص والصواب، مما استدعى تصنيف الخصوم وفق مقولات تستلزم إخراجهم من «مسمى الإيمان»، وهو الأمر الذي لا زال تجتره العقلية السائدة للخطاب الديني، والتي أضافت لها مخيلة الحركات المسيسة التهم الإطلاقية «عميل، خائن، مستلب، .. الخ» التي ورثتها من أدبيات حركات اليسار التي قامت على أنقاضها .

في هذا السياق استوقفني دراسة نشرت في أحد المواقع المحسوبة على جناح الصقور في حركة الإخوان المسلمين، يبشر بميلاد تيار جديد نسبه إلى الشيخ العبيكان، وسماه «العبيكانيون الجدد»، حيث نسب إليه «الهجوم على التيارات الأخرى، مثل الإخوان والسلفية الجهادية والسرورية، والتيارات الحركية التي تجمع بين الدعوة والحركة منهجا في العمل الإسلامي، والهجوم على التيارات الأخرى مثل الإخوان والسلفية الجهادية والسرورية»، معتبراً أن تيار العبيكانيين الجدد، والحديث موصول للدراسة «قد أحدث شرخا قويا وفتقا كبيرا في ساحة العمل الإسلامي في بلاد الحرمين»، وإذا تجاوزنا هذه الثورية في نقد مواقف الشيخ العبيكان الذي أبدى شجاعة محمودة في مواجهة هذا المزيج من الفكر الحركي الإسلاموي، حين عراه بنفس أدواته الشرعية ولغته الدينية، فإن المعضلة تكمن في التناقض الصارخ الذي تطرحه هذه المقالات، والتي تتعارض مع الطرح الإعلامي الهادئ لرموز هذه الحركات، تجاه ذات القضايا التي تحدث فيها الشيخ العبيكان، سواء مسألة العراق أو شرعية الأنظمة وكل الملفات الساخنة في التناول الإسلاموي لقضايا السياسة والمجتمع.

ولمحاولة فهم هذا التناقض الذي تطرحه هذه المقالات الجادة والمكتوبة بلغة منهجية، يمكن تأمل حالة «التترس» لدى كاتبيها تحت أسماء حركية تذكرنا بتترس بعض المنظرين لهذه الجماعات في مرحلة الصدام بالأنظمة، أو ما كان يسمى مرحلة الاستضعاف والعهد المكي، إبان الحقبة الناصرية وما بعد ذلك، مما يدل على وجود خطابين، أحدهما للاستهلاك الإعلامي، والآخر للتأصيل المنهجي للأتباع .وإذا استبعدنا مثل هذا التحليل الذي قد يعتبره كثيرون مجحفاً بمراجعات بعض «رموز الصحوة»، التي بدأت تطرح أفكاراً معتدلة سبب لها عداءً حتى داخل التيارات التي تنتمي إليها، فإن هذه الحالة ستقودنا إلى نتيجة أكثر خطورة، وهي أننا بإزاء حالة «اللامرجعية» تعيشها هذه التيارات، فالانتماء حينذاك لذات الأفكار الثورية بغض النظر عن منظريها، فالفكرة تصنع رمزها الناطق باسمها، كما تهبه المكانة وصدر المجالس وولاء الأتباع، ما دام محافظاً على وتيرة التصعيد للفكرة والذهاب بها إلى أقصى حدودها الثورية . وهذا ما حدا بكاتب الدراسة سالفة الذكر لينتقد على «رموز الصحوة بقاءهم رهن الإقامة الجبرية والاعتقال الفكري»، لأنهم من وجهة نظره يرسخون» (طاعة ولي الأمر) وثقافة الصفع على الخدود، وكل هذه الأمور مجتمعة تحدث انشقاقا كبيرا لدى قواعد الصحوة، فهناك معاول هدم تعمل بكل قوة، وهناك محاولة لتدجين الجيل الجديد»، هل تشمون معي رائحة البارود في ثنايا هذا النعي للرموز الصامتين من وجهة نظر الطرفين.. نحن وهم.. يجب أن لا يظلوا صامتين.. على الأقل من أجل ذات الجيل الذي منحـــهم آذانه الصــاغية ..!