نحن ونزاهة القضاء في الغرب

TT

لو أن المحكمة الالمانية جرّمت المغربي عبد الغني المزودي لقامت قيامة المثقفين العرب الغيارى دائما على عصبيتهم، والمؤمنين بلا تردد ان كل عربي يحاكم في العالم بريء مهما كانت الأدلة ضده. ولكن عندما برأت المحكمة رجلا وضع الادعاء العام الالماني كل ثقله من اجل إدانته، بتهمة انتمائه لخلية هامبورغ التي خططت لهجمات سبتمبر في نيويورك وواشنطن، فانها مناسبة ذهبت مع الريح.

مرتين يحكم القضاء الالماني ببراءة المزودي، رغم انه يحمل مواصفات المتهم السهلة الذي يمكن ان يحكم القضاء، لو شاء، بإدانته، لكن القاضي رأى ان البراءة اقرب من التجريم. فالمتهم اصولي متشدد يسكن نفس المدينة التي سكنها مخططو العملية الكبيرة، والادلة الظرفية والمكانية تربط بينه وبين الخلية المزعومة، كما أن الضغوط السياسية ضد المتهم. وجاء الحكم ببراءته دليلا على سلامة النظام القضائي، فناقض ما يشاع عن استهداف المسلمين المهاجرين بالاضطهاد السياسي والامني. ولو ان المزودي حوكم بنفس الادلة في الكثير من المحاكم العربية لما سعد بنفس النتيجة، ولربما بات خبرا منسيا، وحكم عليه في محاكم مغلقة، واستجاب القاضي لطلب مدعي الحكومة، وأُرسل الى الاعدام ولحقه آخرون.

واجبنا ان نحتفل بالاحكام المنصفة، كما شاهدنا في محاكمة هامبورغ، تعزيزا لمفهوم العدالة وإحياء للثقة بين العرب الذين يعيشون في كل مكان، بدلا من دفعهم لليأس والشك الدائمين. ففي الوقت الذي نشجب فيه معتقل غوانتانامو يجدر بنا ان نحيي الالتزام بالحقوق العادلة للمتهمين، ليس اطراء لنظام قضائي او سياسي آخر بل إنصافا للحقيقة وتصحيحا للصورة ودعما لعلاقة العربي بمجتمعه الذي يعيش فيه.

فالساحة الفكرية العربية منشغلة بمصارعة العالم مستندة إلى أفعال القلة السيئة، وتعمم احكامها بما يشوه الحقيقة الكاملة، وتأجج مشاعر العرب اينما كانوا، في وقت هم احوج الى التعايش مع الفضاء الايجابي الواسع حولهم لا النظر الى الوراء، أو التوقف عند الظواهر النادرة. فالعرب في المانيا او فرنسا، او غيرهما من المهاجر ذات الكثافة العربية، يتمتعون بحالة يندر ان توجد في الوطن العربي الأصلي، وهي العيش في كنف نظام عادل ، مهما بدت الحكومة او فرع في السلطة متجبرا. وهذا ما حدث في قضايا المعتقلين في الولايات المتحدة ، الذين في اكثر الحالات كانت المحاكم سندهم ضد السلطات الرسمية، بل وضد الرأي العام. في المانيا حاول المدعي العام مرتين دفع المحكمة لتجريم المزودي لكنها رفضت. ونحن لا ندافع عن براءة اي متهم ، لكننا نعتبر من العدل منحه الفرصة ليثبت براءته مهما كانت جنسيته او عرقه او ديانته.

[email protected]