بين قتلين وقتيلين .. في بيروت وبغداد

TT

لم يكن غريبا ان يُقتل الزميل سمير قصير إلا إذا كنا في غفلة عن أننا نعيش في عالم عربي وإسلامي يتوفر فيه فيض من حكامٍ مزمنة فيهم امراض الجهل والتخلف ودائمة فيهم العاهات النفسية والعقلية. ولم يكن غريبا ايضا ان يُقتل سمير قصير بهذه الطريقة الشنيعة إلا إذا كنا ساهين عن اننا موجودون في عالم عربي وإسلامي يصطف فيه المأجورون للقتل والتعذيب وانتهاك الحرمات في طوابير طويلة تمتد بلا انقطاع في حلقات جهنمية رهن الإشارة للبطش بكل كائن فيه روح ، بشرا او زرعا او ضرعا.

سمير قصير «استحق» الموت بالطريقة الهمجية التي قتل فيها لأنه خرج على شرعة الحقوق (!) التي وضعها محور الشر في مجتمعاتنا العربية والاسلامية، إذ آمن بحرية الرأي والتعبير وجاهر بحبه لوطنه وشعبه وبالحرية لهما. وهو «استحق» الميتة الشنيعة لأنه كفر بتعاليم ومبادئ هذا المحور القومجي ـ الأصولي المتشدد إذ مارس من دون خوف او تردد ما جاهر به من دعوة لأن تلزم أجهزة الأمن حدودها ولأن يكفّ الاشقاء عن («حبهم») القاتل.

ارجعوا الى كتابات مؤسسي الحركات القومجية العربية والى وثائق مؤتمرات هذه الحركات... وارجعوا الى فتاوى قادة الحركات الاصولية المتطرفة وخطبهم ومواعظهم ، لتجدوا أن الموت شنقاً او إعداماً بالرصاص هو أخف حكم قومجي ـ اصولي متطرف على أمثال سمير قصير.

أما تسمعون .. أما ترون ما يفعل هؤلاء في العراق؟ في كل ساعة لهم ضحية واحدة في الاقل يقتلونها بالطريقة ذاتها التي قتلوا بها سمير قصير.

قبل ان يفجّر «الأشقاء» سمير قصير في سيارته في بيروت بساعات فجّر اقرانهم في بغداد طفلة كانت ستذهب لاول مرة الى المدرسة في العام المقبل .. طفلة أعرفها.. حلوة مثل عصفورة .. رقيقة مثل فراشة .. جميلة مثل وردة، اسمها «تقى»، اختاره لها ابوها، فهو رجل مؤمن، بل انه، من وجهة نظري، مغالٍ في إيمانه، وقد لمته على هذا.

عصر الاربعاء، الذي سبق صباح اليوم الذي قُتل فيه سمير قصير، خرج هذا الاب ذو اللحية الطويلة من بيته ومعه بنيته تقى، او توتي كما يدلعها أهلها.. ربما اراد ان يشتري لها قطعة حلوى او مشروبا غازيا من دكان قريب، او ان يفرّجها على حركة الناس في الطريق خارج البيت. ما كاد الاب وابنته يتجاوزان باب الدار في حي الغزالية ببغداد حتى انهالت عليهما قذيفة (آر بي جي) ودفقات من الرصاص... رصاصة واحدة ، بل مجرد شظية صغيرة، كانت كافية لوأد العصفورة وقطف الوردة وإحراق الفراشة تقى.

سمير قصير «ارتكب» المعاصي والمحرمات بحبه لوطنه وشعبه فاستحق ان يسهر ضباط المخابرات الليالي لحَبْك خطة محكمة لقتله. لكن من يقول لنا كيف سيلاقي قتلة توتي ربهم، اذا كانوا متدينين؟.. ما الذي سيقولونه إذا الموؤدة سُئلت؟

أقدس قضية دينية لا تبرر قتل توتي العراقية، مثلما اعظم قضية وطنية وقومية لا تسوّغ قتل سمير قصير الذي انتصر على قتلته الهمج في اللحظة التي تطايرت فيه اشلاؤه المحترقة، مثلما انتصرت العصفورة العراقية توتي على وائديها الأوباش في اللحظة التي انهت حياتها رصاصة او شظية من قذيفة الـ (آر بي جي).

[email protected]