إزعاج وانتقام

TT

هناك فيلم سينمائي مصري قديم اسمه: «غرام وانتقام»، ونحن اليوم لا نريد أن نتكلم عن الغرام لأننا لسنا (وشّ غرام)، ونريد أن نستبدلها بكلمة (إزعاج).

وسوف اطرح مثلين في (الإزعاج والانتقام)، أحدهما أميركي والآخر عربي، الأول قرأته في مذكرات احدهم، والثاني سمعته من صاحبه. يقول الأميركي: بينما كنت أغطُّ في سبات عميق وقد قارب الليل على نهايته وإذا بجلبة أصوات توقظني تبينت أنها معركة تدور رحاها بين قطط تحت نافذتي، وعندما طالت ونفد معها صبري، قفزت من فراشي وأنا بملابسي الداخلية، وتناولت لا شعورياً عصا المكنسة الطويلة وخرجت راكضاً إلى الشارع وراء القطط التي هربت في كل صوب وبينما كنت رافعاً العصا وراجعا إلى باب منزلي، وإذا بالتصفيق والهتاف لأميركا صانعة الحرية ولرجالها البواسل، وعندما التفت وإذا بمجموعة من الرجال خارجين لتوهم من الحانة وهم يترنحون، واستغربت ضحكاتهم واعتقدت أن ذلك بسبب ملابسي الداخلية، غير أنني عندما أرخيت العصا وإذا بعلم أميركا يرفرف على رأسها حيث ان أطفالي الصغار كانوا علقوه على عصا المكنسة وهم يلعبون ولم الحظ أنا ذلك من شدة النعاس والإزعاج والرغبة في الانتقام.

انتهت الحادثة، غير أن سؤالي هو: هل ما زالت أميركا تحارب قطط الشوارع؟!، أم أنها تحارب طواحين الهواء؟!

أما المثل العربي فقد رواه لي احدهم ويقول: بينما كنت عائداً وحدي من رحلة صيد صحراوية استمرت لأكثر من شهر، وكان الطريق طويلاً يمتد أمامي لمئات الأميال، قررت في منتصف الطريق أن أتوقف قليلاً بجانب احد الكباري طلباً للراحة، وفعلاً تمددت تحت ظله وما كدت أغفو حتى سمعت صوت شاحنة كبيرة تتوقف ليس بعيدا عني ونزل منها سائقها ومعه مطرقة ثقيلة واخذ يخبط ويضرب (صاجاً) بسيارته إما بقصد إنزاله أو ثنيه، واستمر على هذا المنوال قرابة ساعة كاملة، وكانت الجبال والوديان تردد صدى ضرباته العنيفة التي تكاد تخرق طبلة أذني، وفجأة ران صمت مطبق وحمدت الله، غير أنني عندما نظرت إلى ساعتي وجدت أنني تأخرت ولا بد أن أسير، ولكن كيف أسير بدون أن انتقم من ذلك الإنسان المزعج؟!، نهضت من مكاني ونظرت ناحيته، وإذا هو قد هيأ له فراشاً وثيراً على سطح شاحنته، وجهز (شيشته)، ورأيته وقد اتكأ على مسند بجسمه السمين المترهل، وبينما كان الدخان يخرج من فمه ومناخيره كان هو يهز رأسه في نشوة عارمة متجاوباً مع أغنية رخيصة، فحركت سيارتي بهدوء إلى أن أوصلتها إلى حافة الإسفلت، ثم أخذت بندقيتي التي بها منظار مقرب وصوبتها نحو الشيشة ثم أطلقت طلقة واحدة، وإذا برأس الشيشة يتطاير مع جمرها ولم يبق منها غير عامودها، وإذا بالرجل يهب من مكانه فزعاً وهو يتمايل ويكاد يسقط، وعندما لمحني اخذ يصيح ويشتم ويتوعد، فما كان مني إلاّ أن أرد عليه وأقول: تستاهل يا مزعج يا نتن، وانطلقت بسيارتي بسرعة تقارب 120 كيلومترا في الساعة، وبين الحين والآخر كنت انظر بالمرآة العاكسة للطريق.

[email protected]