مخيمات داخل المخيمات

TT

بثت قناة المجد الفضائية الاسلامية الصيف الماضي برامج يومية عن المراكز الدعوية الصيفية المنتشرة في مناطق السعودية. وفي احدى الفقرات طالب المذيع طفلا في سن الثالثة عشرة ترديد «أنشودة»، فصدح الطفل بكلمات منغمة يقول فيها : «نسوا نسوا فلسطين، وصاروا يغنوا باب فين..واللبس لبس الكفار». فرد المذيع « يا سلام عليك، أحسنت أحسنت».

منذ عامين في السعودية والصحافيون والمثقفون يقومون بحملات نقدية لمضمون هذه المخيمات، ووصفها بتفريخ المتطرفين وتجنيد الشباب فكرياً، ودعم توجهات اصولية. والقائمون على هذه المراكز ينادون المعارضين بزيارة هذه المراكز قبل الحكم عليها.

ولكن ماذا عن رأي الشبان في هذه المراكز؟ يقول أحمد الجدعان، 24 عاما، «لا أعتقد ان هذه المراكز والمخيمات تبث أفكاراً متطرفة. بل على العكس تحوي الشباب وتحميهم، خصوصاً في المدن الكبرى التي لا يوجد فيها محاضن للشباب تأويهم، فيما تحوي مسابقات ثقافية ورياضية مفيدة الى حد كبير. والهجوم عليها بهذا الشكل غير مبرر». ويضيف: «أنا شخصياً أعرف الكثير من الشبان الذين استفادوا من مثل هذه المخيمات وتقدموا نحو الافضل. والمحاضرون في هذه المخيمات عادة ما يقدمون القصص المفيدة التي فيها عبر، وتساعد الشباب على حل مشاكلهم. والذين يطالبون بإقفالها عليهم توفير البدائل أولاً».

أما الشاب محمد دهلوي فقد كان له رأي مختلف، يقول :«حضرت هذه المخيمات على مدى سنتين متتاليتين. ووجدت أن عناوين الدروس هي ذاتها لم تتغير، وهي مليئة بالترهيب، والإرهاصات السياسية، والأفكار الأصولية».

ويضيف دهلوي، 24 عاما، «بعد الشهرين اللذين يقضيهما الشاب في المركز ويخرج للعالم، يجد نفسه معزولاً تماما وكأنه يعيش في عالم آخر غير الذي كان يراه. فضلاً عن أن المحاضرين في هذه المخيمات يستخفون بعقولنا في أوقات كثيرة، وعلى سبيل المثال المحاضر المدعو «أبو زقم»، وهو شهير في أوساط الشباب بصفته أحد أشهر (مفحطي السيارات) التائبين. ويظل أبو زقم يتحدث ويصدر أصوات «تفحيط» من فمه حتى يضحك الشبان..وفي النهاية يطالب الحاضرين بإخراج ما في جيوبهم من منكرات، وإعلان توبتهم النصوحة..أليس هذه إهانة لتفكيرنا».

والحال أن النهايات الرومانسية لمحاضرات «أبو زقم» قصة لا بد من روايتها. فشهرته في الأوساط المعنية بأنه (مفحط تائب). ولا أفهم علاقة التوبة بـ«التفحيط». كون «التفحيط» كظاهرة تندرج تحت بند الخطأ أو الصواب، وليس تحت بند الحق والضلال. عموماً، ما ان ينتهي «أبو زقم» من محاضرته، حتى تمتلئ الطاولة المقابلة له، بأنواع المنكرات التي طالب الشباب بإخراجها من جيوبهم.

ما لا أفهمه، كيف يدخل شاب الى مخيم ديني دعوي وهو يصطحب المنكرات، وماذا سيفعل بها هناك؟ ولماذا لا يتكرر هذا المشهد بهذه الكثافة إلا في محاضرات «أبو زقم»؟

يصر القائمون على المخيمات الصيفية أن جميع نشاطاتها مشروعة وتحت نظر الجهات المختصة. وأن هذا وحده كفيل برد المزاعم. وبصراحة فهذا غير صحيح. فقبل عام أجرت «الشرق الأوسط» تحقيقاً مطولاً عن هذه المخيمات. وصرح لي في ذلك الحين معلم يعمل بأحد المخيمات المدرسية، بان هناك بعض التجاوزات غير المحسوبة، وغير المصرح بها. وعلى سبيل المثال وضع مجموعة من الشبان، باجتهاد شخصي منهم، على صفحة الانترنت الخاصة بإحدى المدارس الثانوية الحكومية في مكة المكرمة، تحت رابط مواقع ينصح بها، وهي روابط لمواقع مثل «الساحات» و«أنا المسلم». وجميعها مواقع أصولية وملاحقة أمنياً، وبعضها مثل «الساحات» ثبت تورط أفراد من الجناح الاعلامي لتنظيم القاعدة بالكتابة فيها.

ما تقدم نعرفه عن عالم المخيمات الخاص بالشبان فقط، وما خفي عن عالم الفتيات في هذه «المحاضن» يستحق أن يكشف بدوره. وما يتسرب منها من منشورات لا يوحي بأنها بيئة نقية تماماً، حتى وان اراد القائمون عليها ذلك. والمطويات التي تحوي نصائح من نوع عدم لبس البنطلون، ورفض الموضة، وتحريم لبس فستان الزفاف الابيض لأنه تشبه بالكافرات..الخ، لا بد من انتهاج عمليات لتطوير أفكارها وآلياتها. ولكن الأغرب هو توزيع كتاب لفن الطبخ، كتب في مقدمته «إهداء للمرأة المسلمة التي تريد أن تكون ربة منزل صالحة وتواجه التحديات الغربية» ووضع المؤلف على الكتب صورة «همبرجر» على الغلاف. فهل يكفي لأن تكون «الهمبرجر» أكلة اسلامية، لمجرد أن تصنعها أيدي امرأة مسلمة!!

وبما اننا بدأنا المقالة بمشهد من قناة المجد، فلنختمها بآخر من ذات القناة. فقد اتصلت فتاة وسألت شيخاً معروفاً عن حكم صبغها خصلة من شعرها بالأحمر. فاعتدل الشيخ في جلسته وابتسم ابتسامة أبوية، وأجابها: «اذا كان فقط صبغ الخصلة، فلا بأس. ولكن لا تضعي معها عدسات زرقاء، وتلبسين ملابس غربية، فتصبحين متشبهة بالكافرات». انتهت إجابة الشيخ.

من جانبي لم أعرف ما اذا كان يجب على المسلمات من الغربيات أن يصبغن شعرهن بالأسود، ويلبسن نظارات شمسية، ويلبسن الثوب العربي ليصبحن مسلمات.

* مقال يتناول آراء الشباب حول قضايا الساعة

[email protected]