أكثر من وجه لفضيحة ووترغيت

TT

ايقظ الكشف عن شخصية الحنجرة العميقة بعضا من اكثر الحاقدين في عهد نيكسون من سباتهم، فأدانوا مارك فيلت باعتباره خائنا. ولكن ماذا عن كبير الحاقدين؟ ماذا كان ريتشارد نيكسون سيفعل بهذا الغضب المكبوت؟

هل كان سيكرر نفس الشجب الحاد الصادر من بات بوكانان وغيره من الانصار، الذين اثارهم الكشف عن ان مسؤولاً في مكتب التحقيقات الفيدرالي هو مصدر صحيفة «واشنطن بوست»؟

لقد تحدثت مع نيكسون مرة واحدة، قبل عام من وفاته، ولذا لا اريد التكهن بما يمكن ان يقوله. وبدلا من ذلك اتصلت ببيل سافاير، الكاتب الذي عمل ذات مرة مع نيكسون، الذي نقل افكار الرئيس السابق من القبر بطريقة فعالة في افتتاحياته.

قلت: بيل هل سمعت أي شيء؟

توقف. ثم تنحنح ، وبصوت عميق جاء صوت الرجل المتميز بالأسف الذاتي والتبرير الذاتي، والرجل الذي قسم امتي بل وقسم اسرتي بمخاوفه وطموحاته.

وقال الشبح عبر هاتف سافاير: «بالطبع لقد شككت فيه منذ البداية، أليس كذلك يا بيل؟ لقد كان فيلت يسعى لاستمرار سيطرة هوفر على البيت الابيض والكونغرس، بينما كنت مصمما على استعادة السلطات التنفيذية.

وأضاف الصوت: «كل الشخصيات الليبرالية المنافقة نسيت كيف شعروا بما ينويه مكتب التحقيقات الفيدرالي آنذاك. الشيء السليم الذي كان يجب ان يفعله هو ان يأتي لي ويبلغني بما اكتشفه. او كان يمكنه التوجه للكونغرس. ولكن ليس الى واشنطن بوست».

لقد غضب سافاير، وهو زميل محافظ وتناقضي ومؤيد لمبادئ الحرية الفكرية، والذي ادى تقاعده من صفحة الرأي في صحيفة نيويورك تايمز الى جعلها اقل تثقيفا، واقل اثارة للدهشة واقل مصدراً للتنوير، من فكرة إعتبار نيكسون بكبير الحاقدين.

وقال سافاير: «لقد كنت الى صفه. ولذا يفضل وصفه كبير المعادين للكراهية»، واشار الى ان نيكسون كان يؤمن بعقاب معاقبيه فقط.

واكد سافاير ان «نيكسون لم يكره هوفر. ولكنه ربما لم يخشاه ايضا. لقد كان كلاهما من المعادين للشيوعية، ولذا كان يمكنه مواجهته. ولكنه لم يكن في امكانه طرده في ولايته الاولى».

نيكسون الذي ذهب الى الصين لم يستطع أن يطرد ادغار هوفر؟

قال سافاير الذي ترك منصبه ككاتب خطابات في البيت الأبيض قبل أن تتفجر فضيحة ووترغيت «حسنا، لم أعرف أبدا ما اذا كان نيكسون يفكر بأن لدى هوفر شيئا ما بشأنه في كل هذه الملفات أم لا. فقد كان من الواضح، على الدوام، ان هوفر كان يفضل العمل حتى النهاية».

العاجل أفضل دائما من الآجل في عملي. ولكن الكشف عن هوية الحنجرة العميقة وتدقيقه المتجدد للاستخدام القضائي المراقب لمصادر مجهولة من جانب جامعي الأخبار، يأتي في وقت مفضل بالنسبة للصحافة والبلاد.

ومثل ظل الساعة الخامسة، فان بقايا الانتقام وإساءة استخدام السلطة التي ميزت عهد نيكسون، ازدهرت ثانية حيث مخاوف الأمن القومي تهيمن على المشهد السياسي الآن.

ويمكنكم رؤية تلك البقايا تنمو في المقاضاة الفيدرالية الحمقاء من جانب باتريك فيتزغيرالد لجوديث ميلر من «نيويورك تايمز» وماثيو كوبر من مجلة «تايم» لحمايتهم المصادر في قضية فاليري بليم. وتبدو محاولات مكتب المباحث الفيدرالي لاستخدام محلل وزارة الدفاع لاري فرانكلين في العمليات السرية الدقيقة للأمن القومي «نيكسونية» حقا في سمتها ومنهجيتها.

وهناك فارق في السياق الحالي لمثل هذا الافراط. فالرئيس بوش لا يمتلك الموقف أو المزاج الذي جاء به نيكسون الى البيت الأبيض. غير ان بوش لم يفعل ما فيه الكفاية لمجابهة الهجمات الديماغوجية على استقلالية القضاء ـ التي بدونها لم يكن لفضيحة ووترغيت أن تنكشف ـ أو القاء الضوء او معاقبة اساءة استخدام السلطة عندما تظهر في ادارته.

وأعتقد شخصيا ان موسم استعادة الحنجرة العميقة لن يكون مكتملا، بدون ذكر افضل الأمثلة الايجابية على الزعامة التي منحها ايانا بن برادلي في «واشنطن بوست» عبر سنوات.

وربما بدأ الكثير منا نسيان بعض تفاصيل الفضيحة، التي انكشفت بينما كنت خارج البلاد في عمل لصالح «واشنطن بوست». ولكنني ما زلت اتذكر أوامر برادلي الأولى الى العاملين في قسم الأخبار، فيما كانت رؤوس البيت البيض قد بدأت رحلة التدحرج نتيجة للفضيحة.

وعلى نحو عاجل أمر هذا الصحافي الرائع قائلا: «لا تحدقوا باعجاب ماكر». لا بل حتى أمي التي صادف انني كنت أزورها، والتي كانت تبكي بسبب الأنباء، لم تشهد ابتسامة على محياي يوم التاسع من أغسطس عام 1974، وهو اليوم الذي ترك فيه نيكسون منصبه.

* خدمة مجموعة كتاب واشنطن بوست

ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»