فوق أكبر خازوق في مصر!

TT

في سنة 1960 أصبحت رئيساً لتحرير مجلة (الجيل).. ربما كانت مكافأة على رحلتي حول العالم التي نشرتها في كل صحف ومجلات «أخبار اليوم» لأكثر من مائتي يوم.. وكنت قد فرغت من الرحلة وأويت إلى حضن دافئ في مدينة (بورتوفينو) الايطالية، وأدهشني أن علي أمين عرف مكاني، ولكنها غلطة وقعت فيها عندما قلت لأحد أصدقائي عن مكاني، وكانت مكالمة علي أمين سريعة خاطفة حتى لا أتراجع أو أقول أنني في حاجة إلى بعض الراحة، فوجئت بصوت علي أمين يقول لي: «أنيس أمك في صحة جيدة .. وزملاؤك اختاروك رئيساً للتحرير ..احضر فوراً» وأغلق التليفون.

وكتب الأستاذ الكبير مصطفى أمين مقالاً نشره في الصحف والمجلات يرحب بي رئيساً للتحرير ويختم المقال بهذه العبارة: مبروك يا أنيس فأنت الآن تجلس على أكبر خازوق في مصر!

ولا يزال هذا المنصب خازوقاً، ربما كان خازوقاً حقيقياً أيام الرئيس عبد الناصر.. أيام الرقابة والسجون والمعتقلات والفصل التعسفي، مئات أخرجوهم من الصحف وأدخلوهم محلات لبيع الأحذية وشركات الأطعمة والباقي في السجون.. وأنا في الشارع سنتين ومصطفى أمين تسع سنوات في السجن!

ونحن (الصحفيون) نتصور أننا أهم من كل الناس، وان الصحافة هي الشغل الشاغل لكل البشر، ومن ليس صحفياً فليس انساناً، إلى آخر هذه الأوهام والغرور الذي لا مبرر له، والدكاترة والمهندسون والحانوطية والزبالون يرون ذلك، أذكر أنني كنت في لندن عندما أضرب الزبالون، فما أقذر مدينة لندن النظيفة الجميلة، والسبب اختفاء الزبالين.

في سنة 1960 سافر الرئيس عبد الناصر إلى أميركا لإلقاء خطاب في الأمم المتحدة، ذهب وعاد ولم ير أميركا، ولذلك عاش الرئيس عبد الناصر ومات وهو على يقين من أن مصر هي (أم الدنيا) ، وأجمل ما في الدنيا، لأنه لم ير من الدنيا إلا الهند واليمن ويوغوسلافيا! وفي الطائرة إلى أميركا جلس إليه الأستاذ مصطفى أمين يحدثه عن أزمة الصحافة المصرية، وحاجتنا إلى الورق وإلى قطع الغيار والآلات الحديثة ـ لأن صحف لبنان تقدمت علينا، فعندها الورق والحبر والآلات الحديثة، مع أن مصر هي أم الصحافة، ولكن كيف تبقى حديثة وكل أدواتها قديمة ومستهلكة.

وبعد أن أطال مصطفى أمين سأله عبد الناصر: خلصت كلامك يا مصطفى؟

- أيوه يا أفندم.

- شوف يا مصطفى أنا عندي ثلاثون مشكلة لا بد من حلها، وتجيء الصحافة في المرتبة السابعة والعشرين!

خاب أمل مصطفى أمين وخيب أمل الذين يتصورون أنهم فوق، فوق كل البشر وكل هموم الحكام اليوم وغداً!