سوبر ماركت الأسهم

TT

تحولت فروع البنوك في الرياض إلى شبه محلات سوبر ماركت، وبدأ بعض موظفي البنوك يتنبهون إلى أن السعودية لا تمر فقط بطفرة مالية بل بطفرة سكانية ايضا. يحدثني قريبي مدير احد البنوك قائلا: يا كثرنا يا بدرية!.

لولا حركة سوق الأسهم التي تمر بها السعودية اليوم لما شعر قريبي بأننا كثيرون، ولولا قريبي لبقيت أظن أن الناس الذين شمروا عن سواعدهم كما يقولون ورموا بأنفسهم في بحر المضاربات المالية (الأسهم) هم أناس بعضهم من الميسورين وبعضهم من أصحاب رؤوس المال المخفية، وبعضهم من المتظاهرين بـ«الحال المستور»، حتى جاء من ينكش المال من تحت البلاطة ويفضح المستور، إلا أن المعلومات الميدانية التي جمعتها تؤكد أن كثيرا من المساهمين في الأصل بدون بلاطة، وبعضهم ليسوا من المستورين بل من الحزانى مقطعي الهدوم أحيانا.

فماذا حدث ليصبح سوق الأسهم سوبر ماركت، بل هايبر ماركت يرتاده المنعمون والحفاة والتجار وموظفو الحكومة، الدفيان والعراة. فطبيب الأسنان يفتح فم مريضه ويسأل زميله بقربه عن سعر السهم اليوم، الجندي الذي يراقب ختم الدخول يلتفت نحو زميله وليس في وجه المسافر قائلا: هاه تبيع؟

المجالس لم تعد تزخر بغير نسبة الصعود اليوم، النساء الأميات تحولن عن فصفص زوجات المسيار وغدر الأزواج إلى فصفص أرقام أسعار البيع، والناس طارت عيونها، ولم يعد في قدرتها أن تكذب من كثرة ما تسمع، ولا أن تطفئ حجم النشوة الفائضة.

واصبحنا بحاجة لحملات تفتيش وضبط لسحرة سوق الأسهم السعودية الذين شغلوا الناس، فالجميع لا يريد أن يفوت على نفسه حضور حفلة (السماء تمطر ذهبا)، ولم يعد الناس من شده سحرهم يخافون العين كما اعتدنا، ولم يعودوا يتحفظون على جملة أرباحهم، فالمائة ألف تضاعفت إلى مائة وثمانين، (وصلت أرباحي السنة الماضية إلى ما يقارب التسعين بالمائة)!.

هل يقول الناس نصف الحقيقة وهذا هو النصف الباقي. في الحقيقة أن البنوك تؤكد الأرقام نفسها، لكن ما تؤكده أيضا أن المسحورين قد تسلفوا رؤوس أموالهم، وبعضهم رهن بيته، وبعضهم ساهم بمال زوجته، وبعضهم بمال اقربائه، وبعضهم باع سيارته، والوعد الذي يخافه قارئ سوق المرابحات الغدار هو انكسار السوق، والذي لا يصدق هؤلاء تحت سحر نشوة قفزات السوق أنه سيهبط فهذا الوعد بعيد، ولا يصدقون أنهم مثلما ارتفعوا للأرض هابطون، لا يصدقون أنهم لن يهبطوا كما يفعل المظليون المدربون، بل سيسقطون على النقطة الرخوة من الدماغ، ويحتاجون إلى سيارات إسعاف إن بقي فيهم نبض حياة!

أجمل تسهيل سمعته لعدم التصدي لسعار الأسهم، هو فتوى من أحد الشيوخ قال إن المتاجرة في سوق الاسهم تجوز لعموم البلوى والحاجة، (عموم البلوى!).. ترى لماذا لا تدخل قيادة المرأة للسيارة أيضا من باب عموم البلوى والحاجة؟

[email protected]