عفوا أقصد زندآباد

TT

هناك نوع من الاخبار اتابعه مرغماً او بالاكراه. وهذه ضريبة يدفعها كل من يقرأ الصحف كل يوم او من يكتب فيها. فمن اجل ان تكتب لا بد ان تقرأ. والاطلاع على احوال العالم في الصباح عذاب. فكيف يمكن ان تلقي التحية على الناس بعد قراءة اخبار العراق، بالقول «صباح الخير» او «السلام عليكم» او «طابت اوقاتكم» ..واي شعور عدمي سوف يخامرك وانت تقرأ ان الانتحاريين يستهدفون تظاهرة للعاطلين عن العمل في بغداد او مسجداً في قندهار او «طقس» العطلة الاسبوعية في باكستان.

لم اكن في الماضي اهتم كثيراً بمتابعة اخبار اخواننا الباكستانيين، فهي كثيرة ومعظمها بائس. انقلابات عسكرية ومشانق ونفي وديون بلا نهاية وفساد وبطالة مرعبة وفقر مقيم، ثم خبر العطلة الاسبوعية: احراق مركز عبادة ما، بأهله، في كراتشي او روالبندي او لاهور. لكن اصبح واجباً علينا ان نتابع اخبار باكستان عندما صارت قضيتنا الكبرى هناك: اصحاب الصحوة يريدون اضاءة انوار العالم من قندهار وقندهار ملجأها باكستان، بالاضافة الى انها ملجأ الملايين من الافغان، الذين شردتهم حروب الاخوة والرأفة والرحمة.

بعد تكاثر الاخبار المفرحة على هذا النحو قررت ان احدد «كوتا»، لما استطيع ان اتحمل كبشري من اخبار هذا العالم السعيد. وخصصت لباكستان مرة واحدة في الاسبوع هو مظاهرة العطلة: ضد مَن وفي اي مدينة وما هو عدد المحترقين.

نهاية الثمانينات اصدر المفكر والكاتب الراديكالي طارق علي كتاباً بعنوان «السيرة الذاتية لعقد الستينات»، وهو عبارة عن مفكرة لرجل يساري بدأ حياته في باكستان ثم انضم الى الحركة العالمية في اوروبا واميركا. ويروي طارق علي انه عندما كان لا يزال طالباً في ثانوية لاهور قرأ خبراً عن الحكم بالاعدام على اميركي اسمر يدعى جيمي ولسون، لانه سرق دولاراً واحداً من احد المخازن. وشعر بغضب شديد. وقرر ان يقود مظاهرة مع رفاقه الى القنصلية الاميركية لكي يسلم القنصل رسالة احتجاج. واخيراً نجح في اقناع نحو ستة من رفاقه الذين انضم اليهم بعض «المناصرين»، واتجه الجميع نحو مبنى القنصلية في «امبريس رود»، ثم حان وقت الهتاف وراح المتظاهرون يرددون «موراباد. موراباد. الموت لجيمي ولسون». واصيب طارق علي بالذعر. واعتقد ان الاميركيين دسوا عملاءهم بين المتظاهرين. لكنه عندما تفقدهم واحداً واحداً اكتشف ان لا اضافات ولا اندساس في المسألة. وراح يقنع المتظاهرين بأن جيمي ولسون المسكين رجل يستحق الحياة لا الموت. فراح المتظاهرون يهتفون على الفور: زنداباد. زنداباد. الحياة لجيمي ولسون!

وشعر طارق علي بسعادة فائقة عندما تفرقت المظاهرة. فقد تعلم يومها ان اسهل الاشياء في الحياة هي الحصول على متظاهرين طوعيين في شوارع لاهور.