خسر «منتخب المتطرفين» فتأهل المنتخب السعودي!

TT

عندما تأهل المنتخب السعودي لكرة القدم لتصفيات كأس العالم في ألمانيا، فإن هذا النجاح الكروي البارز يعني إخفاقا شديدا لحملة منظمة ضد الرياضة في المملكة، قادها لعقود خلت علماء دين سعوديون وخطباء مساجد ومتعاطفون مع أطروحاتهم من المتشددين والإسلاميين والصحويين والمتدينين، وأخص منهم معلمي مادة التربية البدنية.

إن هذا الانتصار الرياضي السعودي مؤشر قوي على انتكاسة شديدة لحملات من التشويه والتكريه، وحتى التجريم الذي قام بها هؤلاء (المطاوعة) ضد الرياضة في السعودية، فهم المسؤولون عن هزائم المنتخب في السنوات الماضية، والعكس صحيح فانتصارات المنتخب السعودي الأخيرة ثم تتويجها بالتأهل لكأس العالم في ألمانيا، تعني أن مشروع المتشددين في محاربة الرياضة السعودية قد أصيب في مقتل!.

هذه محصلة طبيعية ولازمة من لوازم فكرة مثيرة وغريبة طرحها كاتب سعودي عزا فيها إخفاق المنتخب السعودي في الظفر ببطولة (خليجي17 ) الأخيرة إلى حرب منظمة قام بها هؤلاء (المطاوعة) ضد الدورات الرياضية، والمسابقات الكروية، وضد كل المنظمين والمديرين واللاعبين، وبالأخص نجوم كرة القدم في السعودية، فقد وصفهم هذا الخطاب الديني المتشدد والمتطرف ـ كما يزعم ـ بأقذع الأوصاف ربما وصل في بعض الأحيان إلى تفسيق وتكفير هذا اللاعب أو ذاك ! هذا حين أخفق المنتخب في منافسة إقليمية أقل شأنا، فما عسى هذا الكاتب أن يقول بعد هذا الإنجاز الرياضي القاري الكبير؟

في ظني أنه لو وجد مواطن سعودي أصابته الكآبة بسبب تأهل المنتخب السعودي إلى تصفيات كأس العالم لربما كان هو هذا الكاتب، إذ أن هذا الانتصار السعودي الكروي المدوي والحضور الجماهيري التاريخي غير المسبوق في استاد الملك فهد (قالت الصحف إنه ضرب رقما قياسيا فقد بلغ 70 ألفا داخل الاستاد و30 ألفا خارجه وفي أيام الاختبارات النهائية). أقول إن كل هذه المعطيات الجديدة جعلت من أطروحاته نكات، وتنظيراته نوادر مضحكة.

لو كان صاحبنا موضوعيا وناقش بهدوء النظرة السلبية لشريحة محدودة جدا من المتدينين تجاه الرياضة جملة وتفصيلا، وعالجها من وجهة نظره بتؤدة، لربما أوصل الرسالة ولساهم في علاج مشكلة، لكن طريقته الغريبة في التعميم والمبالغة الشديدة والتسطيح في وضع النتائج، أثارت عليه وعلى المشكلة غبارا حال دون النظرة الموضوعية لها.

وأنا لا أستبعد بعد هذا التنظير الغريب، أن نرى كاتبا آخر يحلل مثلا كارثة مالية قادمة في سوق الأسهم السعودية ـ لا سمح الله ـ ، فيقول إن سوق الأسهم السعودية انهار بسبب حملة شرسة منظمة قادها الظلاميون المتدينون، تمثلت في تزهيد الناس بالدنيا وتحقير المال (وسخ الدنيا) وحيازته والمتاجرة به؟! أو أن ظاهرة الاغتصاب والتحرش الجنسي سببها أيضا (المطاوعة)، فحملاتهم الشرسة على التعري وتحذيرهم من مشاهدة القنوات الفضائية المتحررة، وتحريمهم للاختلاط في المدارس، وكذلك تنكيد هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الشباب في الاحتكاك (الطبيعي) بالفتيات، جعل من هؤلاء الشباب كتلا نارية ملتهبة متوترة وطاقات جنسية مكتومة، لا بد أن تنفجر على هيئة حوادث اغتصاب وتحرشات جنسية ؟! أو لو قلبنا المعادلة، فافترضنا كاتبا من الضفة الفكرية الأخرى، يرجع سبب إخفاقات المنتخب السعودي في (خليجي17) مثلا إلى (ستار أكاديمي)، فيقول إن هذا البرنامج أشغل الشباب في التسمر أمام الشاشات والسهر، وبالتالي قل اهتمامهم بالرياضة، فلم يكترثوا بحضور المباريات مما أثر سلبا على معنويات اللاعبين، وبالتالي خسارة اللقب! قائمة الأفكار الغريبة والأوهام العجيبة لا تنتهي.

وقبل أن أختم، أود أن أؤكد هنا أنني لم أكن أهدف من مقالتي هذه بالضرورة إلى تفنيد نظريات كاتبنا الغريبة، حول ربط إخفاقات المنتخب السعودي بالتيارات المحافظة في البلاد، (الأغلبية الساحقة للسعوديين محافظون)، وإنما قصدت التدليل على أن عددا من كتابنا ـ بغض النظر عن الراية الفكرية التي يرفعونها ـ يمثلون ظاهرة مقلقة في أجوائنا الثقافية، حيث الفجور في الخصومة والأخذ بأساليب المكايدة الثقافية والمناكفة الأيديولوجية، والتحليلات غير الموضوعية، وعسف التفسيرات لأية ظاهرة أو مشكلة، بغية تحقيق انتصارات وهمية في حلبة المنافسة الفكرية، وهذا قطعا لا يخدم المصلحة العامة التي ينشدها الجميع.

[email protected]