موسم «الرجي»

TT

يموت العراقيون امام بيوتهم وفي شوارعهم كالعصافير غير القادرة على الهجرة. ويُقتل العراقيون بأيدي العراقيين، او احياناً ببطون الكلاب، او بسّم «الرجي»، البطيخ، سيد الفاكهة في العراق بعد التمور، و«العوجا»، التي منها كان صدام حسين، الذي لا يزال اشاوسه يوزعون ارثه وتراثه على الارامل والايتام. الجهل السياسي وانعدام الثقافة التاريخية، يؤديان دوماً الى مثل هذه الوحشية العبثية التي تدعي محاربة الاميركيين وهي تقطع اوصال العراقيين وتبقر بطونهم وترميها في الشوارع.

اعتقد صدام حسين في المرة الأولى انه سيأخذ الكويت ولن تجرؤ اميركا على التحرك، لأن الاتحاد السوفياتي سيتحرك وسوف يتهدد العالم بحرب كبرى، وسوف يتراجع الأميركيون كما في كوبا وبرلين. ولم يفقه، ولا كان قادراً ان يفقه، ان العالم من حوله قد تغير. وان عالم القوتين قد زال وقام عالم القوة الواحدة. وان القوة الواحدة تملك السلاح وتملك اصوات الامم المتحدة وتملك الصمت الدولي.

وعندما قررت اميركا مهاجمة العراق قرر هو ان يواجهها. حاربوهم بالنبابيت، قال القذافي مرة من طرابلس المنعمة بالمتوسط الهادئ. وفي قرارة صدام حسين انه سوف يجر اميركا الى فيتنام اخرى. ولم يبق احد من المحللين والمفكرين والمصيّحين العرب الا وكتب له ذلك او اعلنه من فضائيات الانتصار والحروب المتعددة الجثث. وكان هناك جهل عميم.

نسي مفكرو صدام حسين ان فيتنام لم تربح في فيتنام. ليس في الغابات التي كان يمكن احراقها. ولا في الادغال التي كادت القوة العسكرية الاميركية تمحوها. لقد انتصر الفيتناميون في صحيفة «الموند» وشوارع باريس. وانتصروا في حركة مالكولم اكس ضد العنصرية. وانتصروا في صحف بيروت والقاهرة والجزائر وموسكو ومنابر جامعة اوكسفورد وصفوف هارفارد والمنشقين من موظفي وزارة الدفاع. لقد كان هناك عالم بأكمله يقف ضد اميركا بالموسيقى والشعر والسلاح السوفياتي. وعندما اراد صدام حسين ان يكرر تجربة هوشي منه نسي ان ما بين التاريخين مرَّ 11 ايلول/سبتمبر وقلب الرأي العام الدولي. وافقد العرب كل تأييد. كل عطف. وفرنسا الديغولية التي وقفت ضد اميركا في فيتنام لم تكن الدولة وحدها بل الفرنسيون اما في العراق فكان المسيو شيراك وحيداً ولو حكيماً وعادلاً. لكن لا مكان لصورة العدالة في عالم اليوم. ها هم الفرنسيون والهولنديون يقترعون ضد تركيا في اوروبا. ليس بسبب سلوك تركيا الحضاري، بل بسبب اخبار الكلاب المفخخة في العراق. ولأن مخرجاً هولندياً انتج فيلماً رديئاً عوقب فوراً بالقتل. لقد انتصر الفيتناميون بدعم العالم. واعتقد صدام حسين ان هذا العالم سيناصر نظاماً يرش شعبه بالمبيد الكيميائي. مسكين الشعب العراقي. امس واليوم والرحمة للغد.