قصة والدين وابنيهما مع حرب واحدة

TT

هذه قصة والدين وابنين وحرب واحدة على العراق، نفذت في جزءين.

والوالدان كانا جورج هربرت بوش وحافظ الأسد اللذين كانا رئيسين للولايات المتحدة وسورية على التوالي في عام 1991، عندما أنهى تحالف تقوده الولايات المتحدة احتلال العراق للكويت.

وفي عام 2003 عندما غزت الولايات المتحدة العراق، حل الابنان في منصبيهما، وهما جورج دبليو بوش وبشار الأسد.

تجاهلوا الآن أن بوش الابن انتخب ليقود الولايات المتحدة، بينما ورث الأسد الابن منصبه. وركزوا بدلا من ذلك على المفارقة التاريخية التي تقف خلف هذا الترتيب الغريب للوالدين والابنين والحرب الواحدة أساسا على العراق. وعندما ننظر الى المسألة من هذه الزاوية، يصبح من السهل رؤية لماذا تتنازع الولايات المتحدة وسورية، ولكنه هذه النظرة، تجعل من الممكن رؤية مخرج من المجابهة المتفاقمة بين البلدين.

وقد دفعني عدد من أحداث هذا الأسبوع، الى التفكير بوالدي وابني الرئاسة الأميركية والسورية.

أولا، فقد شهد الأسبوع الماضي أول مؤتمر لحزب البعث، منذ أن خلف بشار الأسد والده، الذي توفي قبل ما يقرب من خمس سنوات. وخيب المؤتمر أمل كثير من الاصلاحيين والمراقبين الذين كانوا يتطلعون الى حدوث تغييرات، يمكن أن تحسن حياة السوريين.

وثانيا، كانت هناك اللغة المتزايدة الصرامة، حول سورية من جانب واشنطن، التي أحبطت كثيرين في الولايات المتحدة والشرق الأوسط، ممن أرعبهم توجيه النقد الى سورية بالذات، بينما خرجت الدول العربية الأخرى سالمة.

ويعتبر كتاب فلينت ليفيريت الصادر حديثا والموسوم «وراثة سورية: اختبار القدرات»، خلفية مثالية لهذه الأحداث.

والى ذلك فقد جعلتني القراءة حول البلد والظروف، التي ورث فيها الأسد الابن الرئاسة من والده أتساءل عن بوش الابن ووالده، أي على وجه الدقة كيف عالج الوالدان والابنان علاقاتهما الثنائية.

فلماذا كانت الولايات المتحدة وسورية تتمتعان، عندما كان الوالدان رئيسين، بعلاقات حميمة، بينما الآن حيث الابنان رئيسان، تعتبر العلاقات بين البلدين في أسوأ حالاتها؟

الجواب الأكثر وضوحا هو أن العالم الراهن أكثر اختلافا من العالم، الذي عاش فيها بوش والأسد الأبوان. فعالمهما كان عالم ما قبل الحادي عشر من سبتمبر، الذي كانت فيه أولويات أميركا وأولويات العالم مختلفة. وبينما قد يكون ذلك صحيحا، فمن الأهمية أيضا أن نلاحظ ان الوالدين والابنين، استخدما أسلوبي زعامة مختلفين.

وعلى الرغم من أن بوش الأب والأسد الأب، عاشا في عالم ما قبل الحادي عشر من سبتمبر، فإن عالمهما كان يتكيف لتغيراته الخاصة أيضا.

فعلى سبيل المثال كان الاتحاد السوفييتي قد اختفى من المسرح العالمي، مبطلا الكثير من التحالفات والاعتبارات التي كانت قد صاغت الطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة، ودول الشرق الأوسط مع بعضها بعضا.

ولكن كيف كانت ردود فعل بوش الأب والأسد الأب على هذه التغييرات؟ ومن هنا فإذا كان للولايات المتحدة وسورية، أن تتفاديا تصعيد النزاعات، فإن الابنين سيفعلان خيرا لو أنهما تعلما من والديهما.

وقد اعترف بوش الأب والأسد الأب بأهمية بلديهما، وأدركا الأهمية التي جسدها كل منهما في عالمهما. ففي عالم لم يبق فيه الاتحاد السوفييتي الحليف المديد، أدرك الأسد الأب أهمية تعزيز علاقته مع الولايات المتحدة، فيما أدرك بوش الأب بالمقابل أهمية وجود سورية في التحالف العربي، الذي أقامه لمساعدته على اخراج العراق من الكويت. ولترغيب الدول العربية الميالة للانضمام الى التحالف، دعا بوش الاب الدول العربية الى محادثات مدريد للسلام، مشيرا الى رغبته في المشاركة الجادة في جهود السلام العربية الاسرائيلية. وكما يشير فلينت لفيريت كانت سورية هي أول الدول العربية التي قبلت الدعوة. ومن الصعب تخيل مشاركة بوش الابن والأسد الابن في مثل هذه الدبلوماسية، والأصعب من ذلك تخيلهما على نفس الجانب من تحالف ما، لأن كلا منهما بحاجة الى جرعة من الروح الثنائية التعاونية التي كانت لدى والديهما. ويشترك ابنا الرئيسين اللذان توليا منصب الرئاسة في عدة أشياء مشتركة. فنحن نسمع عادة ان الاسد الابن محاط بـ«حرس قديم»، هم مسؤولون من عصر والده. وبوش الابن ايضا محاط بمسؤولين خدموا في ادارة والده، مثل نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفلد. ومن السيئ أن الحرس القديم لكل من بوش والأسد، لم يشجعا بوش الابن والأسد الابن، على تقليد تقدير والديهما للمشاركة الايجابية.

والسبب الاساسي لهذا واضح: فالابنان ولا حرساهما القديم، لم يفهما بصورة كاملة أهمية الدولة الاخرى، بالطريقة التي استوعبها والداهما. ولكن يبدو ان العبء يقع على كاهل سورية بسبب هذه الحقيقة البسيطة: بوش الابن هو رئيس للدولة العظمى الوحيدة في العالم، فيما الأسد الابن هو رئيس لآخر دولة، تحت حكم البعث في العالم، ولا يختلف أحد حول أين يقع مكمن القوة.

ولكن ومع ذلك، فهكذا قول يجب ألا يمنح بوش الابن الضوء الاخضر، للتصرف وكأن فكرته الموحدة عن تغيير النظام تنطبق على سورية، فسورية ليست العراق وبشار الأسد ليس صدام حسين. لست من أنصار حزب البعث، واعتقد انه يجب دفن القومية العربية الى جانب الشيوعية، ولكني لست من انصار مبررات بوش الابن السيئة للحرب.

وفي الوقت ذاته، يجب على الأسد الابن أن يعرف ان الوقوف بلا حراك في عالم اليوم، رافضا التغيير او الاصلاحات ذات المغزى، يعني الانحسار. وستستمر بلاده في جني الخزي العالمي، بسبب هذا الركود وأصابع الاتهام، التي تمتد من هنا وهناك تجاه قضايا كثيرة في محيطها القريب بدءا من لبنان ونهاية بالعراق. وسيستمر العالم في فقدان الصبر مع سورية، الا اذا بقيت بعيدة عن شؤون لبنان وركزت على شؤونها. وهناك المزيد من الأمور التي يجب التركيز عليها في الداخل.

ومن المهم، لاختتام هذه القصة بخصوص والدين وابنين وحرب من جزءين، انهاؤها بمضمون الحربين:

فحرب العراق التي تم خوضها خلال جيلين من بوش والأسد، تذكرنا بكيفية تبدل الأمور منذ رئاسة والديهما. فقد رفض بوش الاب المضي قدما نحو بغداد، فيما كانت أنظار بوش الابن مركزة على بغداد قبل ان تهبط قواته في العراق، ولم يكن هناك تحالف هذه المرة، وقد أدان الأسد الابن الحرب منذ البداية. ربما تشترك كل من سورية والعراق في عديد من الامور المتشابهة ـ مزيج من الجماعات العرقية والطائفية وأقلية حكمت الأغلبية لفترة طويلة، ولكن، وبرغم كل ذلك، فليس من مصلحة أحد المشاركة في الفوضى المنتشرة في العراق اليوم.