الطبقة الوسطى المصرية

TT

في القاهرة تبدو المظاهر عليها سريعة، مهما كانت، وفي زيارتي هذه تبدو بملامح ثراء اكثر من ذي قبل، وبتوسع لا تخطئه العين في الطبقة الوسطى، من خلال الناس والسيارات الحديثة ومراكز التسوق والمطاعم ودور السينما، وغيرها. وهي ليست مظاهر الانفتاح الأولى بعد عام 74 ، الذي عرف بزمن الانفتاح وبالقطط السمان. مظاهر النمو الجماعية لا أدري عمقها ولا حجمها، لكن الأكيد ان القاهرة تنمو سكانيا، ومصر نفسها تنمو اقتصاديا. الآن يفترض ان المداخيل الحكومية وكذلك القطاع الخاص يستمتعان بربيع جديد. فثلث مداخيل البلاد ترد من النفط الذي تضاعف مدخوله كبقية الدول المنتجة، كما ان مضاعفة مداخيل الدول العربية النفطية المجاورة يظهر سريعا تأثيره في شوارع مصر، استثمارا وسياحة، ورأيت ملامحه في الصراع القائم بين ثلاث شركات سعودية وكويتية وهندية على امتلاك شركة أسهم الاسمدة المصرية.

ولا بد ان نمو الطبقة الوسطى في البلاد لها انعكاساتها الايجابية والسلبية أيضا. الايجابية هي الأكثر، كونها الفئة الاجتماعية الاكثر ضمانا للاستقرار الاقتصادي والسياسي ، والاكثر تطلعا ودفعا للتنمية المحلية، وهي علامة النمو الحقيقي ونجاح المجتمع. لكن لهذه الطبقة اشكالاتها، كونها اكثر الحاحا على رؤيتها بما في ذلك التغيير المدني والسياسي، وهي تملك نفوذا أوسع من التي فوقها، رغم ان الكثيرين يخطئون قراءة اهمية الطبقة الوسطى في شأن التغيير السياسي. افرادها من المهندسين والاطباء والمحاسبين والاداريين من القطاع الخاص ورجال الاعمال وغيرهم، الذين هم كتجمع عددي يؤثرون على كل مناحي الحياة الرئيسية، لهذا عرفوا انهم عماد استقرار النظام الاجتماعي والسياسي في اي بلد ناجح، وغضبهم هو دمار اي مجتمع مهما كان قويا.

والقاهرة عرفت في معظم عهودها بانها مدينة الطبقة الوسطى المرفهة، وان عاشت ضمورا في العهد الاشتراكي ، بعد ان الغيت الملكية الخاصة ، وتحول الجميع الى موظفي قطاع عام، وصارت الحكومة تدير كل شيء. وهي اقدم المدن العربية في حضور طبقتها الوسطى، وكانت من اسبق المدن العربية معرفة بحياة المدينة الحديثة. فالسيارة دخلت العاصمة المصرية لاول مرة في آخر خمس سنوات من القرن التاسع عشر، وبلغ عدد السيارات فيها 110 سيارات في 1905 . وفي عام ثلاثين من القرن الماضي صار الازدحام رسميا ، بعد ان عاثت اكثر من سبعمائة سيارة خاصة، ونحو ثمانين سيارة اجرة في شوارع القاهرة. في حين ان معظم العواصم العربية لم تكن قد رأت سيارة بعد.

مدينة القاهرة تعاني بشكل واضح من مشاكل خطيرة أيضا، وقد لا تعالجها حيوية اهلها ولا تطلعات الطبقة الوسطى فيها، وهو استمرار تزايد عدد سكانها من ولادات بلا تنظيم، وزحف سكاني مستمر من الريف، يعقد اوضاعها عاما بعد عام. والمشكلة الثانية قدم المدينة عمرانيا وخدماتيا تحت الأرض وفوقها، واصلاحها سيكون مهمة تكلف مبالغ طائلة ، يستحيل توفيرها في الظروف الحالية. وان كان هناك من امل فهو في استمرار الطبقة الوسطى القادرة على دفع الفاتورة تدريجيا.

[email protected]