افتحوا الطريق

TT

في لقاء جميل مع المفكر والباحث المصري عبد الوهاب المسيري في قناة التلفزيون السعودي تحدث عن قضايا كثيرة من أهمها الوقف الإسلامي وكيف أن الوقف في الحكم العثماني هو السبب وراء عدم قيام ثورة شعبية دموية كتلك التي قامت في فرنسا أيام الحكم الإمبراطوري، لأن الوقف الإسلامي قد كفل للجائعين رزقهم، وتحدث أيضا عن كيف أن الوقف نظام إسلامي اجتماعي محرضه داخلي، وهذا ما يميزه عن نظام الضرائب الغربية.

أما أغرب أشكال الوقف في التاريخ الإسلامي فقد كان وقفا للأطفال الذين يكسرون الصحون ويضربهم أباؤهم، فيمضي الطفل للوقف ويقول إن أباه يضربه بسبب أخطائه، فينال حصته من الوقف، وهناك وقف للحيوانات المعاقة التي يحكم عليها بالموت لمرضها أو كبر سنها، وهذا الوقف يرعاها حتى لا يقتلها أصحابها، أما أطرافها فهو وقف للطيور التي تتجمع فوق سور وزارة الأوقاف في مصر، حيث تأتي سيدة وتطعم هذه الطيور!.

كل ما سبق ليس غريبا إذا ما نظرنا لمعنى الحديث الشريف لنبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال في حديث من أسقى كلبا دخل الجنة، «في كل كبد رطبة أجر»، ولم يحدد هذا الأجر بأي كبد هي حيوان أو إنسان.

لكن ما نعانيه اليوم من تشوهات بسبب ايديولوجيات المرحلة التي مررنا بها هو أن الرحمة والأجر قد تلبسا دروبا واحدة لا ثاني لها، فقد طارت الطيور بجبنة الصدقات في يوم من الأيام إلى الجائعين والأيتام في دول العالم الإسلامي البعيد من دون التأكيد على أن الأقربين لهم حق مماثل يستدعي نفس الجهود والخدمات، ثم سارت في طريق آخر لخصه أحد مسؤولي مدينة القصيم بالقول «إن في مدينة عنيزة وبريدة مساجد تفوق حاجتها مرتين، مرة ونصف» وكلنا نعرف أن بناء المساجد عمل خيري، لكننا نعرف أيضا أن وجوه البر والصدقة متعددة، بل أن خيرها لا يكتمل إلا بصرفها في طريق الحاجة لها وفك العسرة، فالأيتام هم أكباد رطبة وفيها حديث صريح (أنا وكافل اليتيم كهاتين).

لكنني مرة التقيت بسيدة تجمع الصدقات لحفر آبار في الفلبين لتشرب منها الطيور، تشكك في كفالة اليتيم السعودي المعمول بها حاليا في الجمعيات الخيرية السعودية لصالح مشروعها هي!.

أما ما تعانيه اليوم بعض مستشفياتنا ومدارسنا، من فقدان التمويلات حتى صار المريض يحضر معه عدة الدواء في بعض المستشفيات الحكومية، لأن المستشفى لا يتوافر فيه الدواء، والمدارس لا يتوافر فيها ماء بارد، ومكيفاتها معطلة، لكن لا أحد يلتفت إلى أن هذه الأكباد الرطبة تستحق المساعدة والدعم المالي لطالب الأجر.

في أبها قام مدير تعليمها بمشروع (تفطير طالب) لتفطير طلبة القرى الذين لا يملكون فطورا صباحيا، لكن هذا المشروع لم يعمم ولم يلق ترحيبا وتفعيلا عاما، لأن الناس لا تلتفت إلى الشائع من الأفعال، وتحتاج إلى من يدلها إلى الطرق المنوعة للخير، فأين الدليل لمشروعات الخير والبر؟ أفتحوا الطريق جزاكم الله خيرا.

[email protected]