عمان.. عقلية التسامح

TT

العفو السلطاني عن المحكومين بتهمة التآمر على قلب نظام الحكم في سلطنة عمان، لم يكن قرارا مفاجئا لمن يتابع الحالة السياسية في سلطنة عمان، فالسلطنة هي نموذج في المنطقة لحالة من التسامح السياسي غير المسبوق.

سلطنة عمان عاشت حالة من الحرب الأهلية الطويلة، وكانت النتيجة أن صدر أكثر من عفو عام عن كل ما يتعلق بتلك الحرب. وصدر عفو عن كل العمانيين في الخارج، بل إنها الحالة الفريدة التي ترسل فيها الحكومة وفودا لإقناع معارضيها بالعودة إلى وطنهم، وحيث تسلم عدد من مقاتلي الأمس مسؤوليات العمل العام في البلاد. وحيث تم إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين.

ربما لا يعرف كثير من الناس أن سلطنة عمان لم تعرف المدرسة الحديثة، ولا المستشفى، ولم تكن هناك بناية واحدة في طول السلطنة يمكن أن يطلق عليها بناية حديثة، كانت حالة الناس المادية والخدمات العامة معدومة. وكانت السجون تؤوي أشخاصا بلا محاكمة، بعضهم قضى أكثر من أربعين سنة في السجن بدون تهمة، حتى لحظة التغيير الكبير في عمان عام 1970، الذي نقل البلد من حالة من الحرمان السياسي والاقتصادي والإنساني إلى بلد يحاول بكثير من الثقة اللحاق بالحضارة المعاصرة.

روح التسامح وعقلية التصالح هي دائما حالة إنسانية لا يستفيد منها المواطنون فقط بل تستفيد منها السلطة السياسية. فالأحقاد والكراهية والشعور بالمهانة والشعور بأن الدولة جائرة وغير متسامحة، يخلق حالة من الكراهية التي تعتمل في النفوس. وعندما لا تجد هذه النفوس طريقة للتعبير تتحول إلى خطر على نفسها وعلى مجتمعها.

هناك سجناء رأي في طول العالم العربي وعرضه، يقضون سنوات في السجون من دون أن يفكر أحد في مصير هؤلاء. بل هناك حالة من التشفي لدى بعض متخذي القرار ضد هؤلاء المواطنين، الذين لهم رأي آخر لا يتطابق مع الرأي الرسمي.

الكاسب من العفو السلطاني في مسقط هو المجتمع برمته. ومثل هذه الخطوة تعزز الثقة بالنفس للدولة، وتعزز الشعور بالانتماء للمواطنين، وتشيع جوا من الألفة والإنسانية التي تفتقدها مجتمعات كثيرة.