الزحف على البحر والجامعات!

TT

عدت إلى البحرين بعد عشر سنوات فقدت فيها عدداً من أصدقائي هناك، يتقدمهم صديقي وزير الصناعة يوسف الشيراوي وشريكي في المشاكل الفلكية، وكان يسألني وكنت أسأله، ونظل معلقين بين السماء والأرض مشغولين بالنيازك والمجرات والتراب الكوني والزبالة الفضائية ـ والزبالة هذه مخلفات الصواريخ التي تحمل السفن وبعضها يسقط في المحيط والباقي يدور بمئات الألوف حول الأرض!

تغيرت البحرين، خرجت من تحت الأرض عمارات وناطحات سحاب، وفي البحرين كلما حفروا أرضاً خرج من تحتها بنك، عشرات البنوك، والبحرين (محندقة) صغيرة حلوة، نظيفة، كل شوارعها نظيفة وفنادقها متنوعة.

وفي البحرين ثلاثة لابد أن تلتقي بهم لتعرف أكثر وتحب أكثر وتطمئن على مستقبل هذه البلاد الشقيقة..ان تقابل ـ كما فعلت ـ نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية محمد بن مبارك آل خليفة، ومن الصعب أن يكون الوزير بشوشاً، هو بشوش، ومن الصعب أن يكون وزيراً وبشوشاً ومهموماً ومستنيراً، هو كذلك، في أول لقاء أهداني كتباً في السياسة، لا أعرف من أين أتى بها، انها تحف أدبية، وفي هذه المرة ذكرته بهديته السابقة واستعجلت هديته الجديدة، وأهداني عدداً من الكتب في السياسة والعلوم والفن ـ انها تحف أيضاً، ويتوج كل ذلك: انه انسان متواضع!

ولابد أن تلتقي بمستشار الملك محمد المطوع، وكان وزيراً للاعلام قبل ذلك، وهو رجل مثقف وجدته مشغولاً بحكاية غريبة قرأها في أحد الكتب، شرحها، فأدهشني، ثم بعث لي بنسخة أخرى من كتاب (السر الأكبر ـ معلومات مذهلة عن خفايا الكون والأحداث) تأليف ديفيد ايكه، وأهم ما وجد أن هناك علاقة بين الصليبيين وبين الحشاشين في ايران!

ثم السيدة هي آل خليفة، لا أعرف بالضبط ما الذي تشغله من وظيفة رسمية، ولكن من المؤكد أنها نذرت نفسها لبلدها ترعى الثقافة والفنون والأدب، وأن تعمل ليلاً ونهاراً، وهي تأخذ نفسها بقسوة، فهي تتفانى تماماً في عملها وتريد الذين حولها أن يفعلوا مثلها، فاذا كانت تأمر نفسها كل يوم: اذهبي، واعملي، واتعبي، ولا تأكل ولا تشرب، اعملي فقط وبلا شكوى.

فأوامرها إلى نفسها (فرمانات) إلى كل الذين من حولها، والهدف: واحد نبيل، ولا أعرف ان كانت في البحرين سيدات مثلها، ولكن السيدات اللاتي قابلتهن يحملن لقب الدكتورة فلانة والاستاذة، وفهمت أن عدد المدارس والجامعات في البحرين كبير ولابد أن في نية الملك ورجاله أن يدفعوا بالشعب كله إلى القرن الواحد والعشرين والثاني والعشرين، وهم يزحفون على المدارس والجامعات كما تزحف بلادهم الصغيرة على البحر تضيف أرضاً جديدة.