اختطاف جديد في العراق

TT

ظهر ثلاثة صحافيين رومانيين منهكين على تلفزيون الجزيرة يوم 22 ابريل الماضي وهم موثقي الأيادي، والبنادق مصوبة صوبت على رؤوسهم، وهم يتوسلون من اجل انقاذ حياتهم، فيما أعلن مختطفوهم للعالم أنهم سيقتلون إذا لم تسحب رومانيا فورا قواتها البالغة 850 فردا من العراق. ومن أجل توجيه الرسالة الى وطنه عرض أيضا محمد مناف، المرشد الأميركي العراقي للرومانيين، على قناة الجزيرة، وهو محاط باثنين من الخاطفين المسلحين. وتوجه مناف بالمناشدة مباشرة الى الرئيس بوش لتلبية المطالب السياسية لأفراد «كتيبة معاذ بن جبل»، وهو اسم الجماعة الخاطفة.

ولكن وفي المقابل، فهناك نهاية سعيدة لهذه القصة: فقد أفلحت الحكومة الرومانية التي رفضت سحب قواتها في تحرير الصحافيين بعد شهر من استغلال معاناتهم، وبمساعدة من سلطات العراق المحاصرة، كشفت بوخارست أيضا الكثير من تفاصيل عملية الاختطاف. وقد اسهم ذلك التحقيق في المقابل بتحرير الصحافية الفرنسية فلورانس أوبناس ومترجمها العراقي حسين حنون السعدي، الذي كان معتقلا مع الصحافيين الرومانيين في «مزرعة رهائن» تقع شمال بغداد، من جانب واحدة من الشبكات المحلية التي تتاجر بالرهائن الأجانب والعراقيين.

أما قضية الصحافيين الرومانية فتلقي ضوءا جديدا على الروابط القوية التي وحدت الدكتاتور العراقي وزعماء عرب آخرين مع المؤسسات المخابراتية والسياسية للكتلة السوفياتية خلال ثلاثة عقود. فكما كانت لهم قضية مشتركة ضد أميركا، كانت لهم قضية مشتركة من اجل المال، وليست فضيحة النفط مقابل الغذاء سوى خيط في الشبكة الواسعة الفساد، والعنف الدولي الذي يدار من جانب دول مختلفة. وكما هو محتم، فقد تظهر محاكمة صدام تفاصيل واسعة، فنظامه كان نظام جريمة منظمة، مارس وحشية يندر مثالها في التاريخ البشري. ولم يكن نظام صدام في هذا الأمر مختلفا عن تشاوشيسكو أو من أعقبه من الحكام الفاسدين. فقد فتحت الانتخابات، التي جرت في ديسمبر الماضي، وأدت الى قيام حكومة ديمقراطية برئاسة ترايان باسيسكو، ملفات المخابرات الرومانية وتعاونها مع الارهابيين، بمن فيهم كارلوس وجماعات فلسطينية وأصوليين اسلاميين، ووسطاء عرب راكموا الثروات جراء تسهيلهم لمثل تلك الصلات.

وكان أحد أهم هؤلاء الوسطاء رجل الأعمال السوري عمر هيثم، الذي تحتوي الملفات الرومانية على تفاصيل صلات عائلته مع المخابرات السورية ونظام البعث في دمشق، وفقا لما قالته صحيفة لوموند اليومية الفرنسية هذا الأسبوع. وقد شخصت السلطات في بوخارست هيثم باعتباره عراب وممول العملية التي أغرى فيها محمد مناف الصحافيين الرومانيين وأوقعهم بأيدي الخاطفين ببغداد يوم 28 مارس الماضي.

وقد نفى الرومانيون دفعهم أية فدية كما هو حال الفرنسيين الذين نفوا دفعهم فدية في ما يتعلق باطلاق سراح اوبناس. وقوبلت تلك المزاعم بكثير من الشكوك من جانب وسائل الاعلام الأوروبية. ولكن مفتاح اطلاق سراح الرومانيين قد يكون في مكان آخر في الواقع. فقد اعتقل هيثم في بوخارست يوم 5 ابريل الماضي بتهمة التملص من دفع الضرائب وتهم أخرى. وكان مناف وشقيقه وشخص سوري اسمه محمود خالد عمر مسؤولين عن جماعة من الخاطفين المحترفين مرتبطين بهيثم. وكما هو الحال غالبا، فالصحافيون الرومانيون اخذوا بعد اعتقالهم الى محتجز رهائن تديره منظمات اجرامية عدة.

من هنا لا يمكن للتفاصيل القذرة لقطاع الطرق والخاطفين من أمثال هؤلاء ان تنافس الصور الرومانتيكية لـ«متمردي» العراق، الذين يتخذون اجراءات قاتلة في أوقات يائسة، ولهذا لا تتوقعوا ان تروا قصة هيثم في نشرات الأخبار المسائية هنا أو على قناة الجزيرة العربية.

وأخيرا، فربما ترغبون في رؤية التفجير المقبل بسيارة مفخخة، أو عملية قطع رأس أحد المختطفين، بألوان حية قد يقدمها اليكم «عراقي شبح» أو «بعثي سوري» يعيش هنا أو هناك، قدم أموالا كثيرة لأشخاص سيئين من اجل الحفاظ على حصته في النهب، بعد أن ألقت قضية الرهائن الرومانيين الضوء، بصورة مفيدة، على شرور الفساد والطغيان.

* خدمة مجموعة كتاب واشنطن بوست ـ

خاص بـ«الشرق الأوسط»