.. والى متى هذه الجفوة العربية لبغداد؟

TT

العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية والحكومة العراقية ـ أو غيابها ـ، هي من القضايا التي ستُناقش الأربعاء المقبل في بروكسل خلال اللقاء الوزاري الدولي حول مستقبل العراق. ويُتوقع أن تمارس الادارة الأميركية ضغوطاً على المسؤولين العرب المشاركين في الاجتماع، لحمل حكوماتهم على تطبيع العلاقات مع بغداد.

وكانت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية خلال اجتماعها الأخير مع وزير الخارجية العراقي، هوشيار زيباري، في واشنطن، عبّرت عن «الحنق» لعدم تبادل السفراء بين أي من الحكومات العربية وحكومة الجعفري، حتى بعد انقضاء خمسة أشهر على الانتخابات في العراق. فهل حان الوقت لتعيد الحكومات العربية مواقفها ازاء بغداد، وتجدد علاقاتها الدبلوماسية مع الحكومة الجديدة؟

لا شك أن أغلبية الحكومات العربية كانت ضد سياسة واشنطن الرامية الى تغيير النظام في العراق، وما يثير استياء بعضها هو التعامل مع حكومة عراقية في ظل استمرار الاحتلال الفعلي للعراق، وان كان مجلس الأمن الدولي قد أضفى شرعية على هذا الاحتلال بتحويله الى وجود لقوات متعددة الجنسيات. بيد أن هذه الحكومة هي حكومة منتخبة، وان جرت الانتخابات في ظروف غير طبيعية.

وتبرر الحكومات العربية مواقفها من بغداد على أساس أنها لا تريد أن تتعامل سوى مع حكومة شرعية، معتبرة أن استمرار وجود 140 ألف جندي أميركي على الأرض في العراق، يقوّض الشرعية التي تتمتع بها هذه الحكومة.

قد تكون هذه الحجج في محلها، ولكن من الواضح في المقابل أن الحكم على العراق يجري وفق مقاييس مثالية، لا تنطبق على كثير من الدول العربية. فثمة تناقض واضح بين المواقف «المبدئية» التي تتخذها الدول العربية، وعدم قيام أية حكومة عربية بسحب سفيرها من واشنطن في أعقاب غزو العراق ـ أو على الأقل استدعاؤه للتشاور. والمفارقة الاخرى تكمن في الانتقاد الذي توجهه الحكومات العربية الى بغداد، بشأن ما يتردد بين الحين والآخر، عن عزمها على اقامة علاقات دبلوماسية مع تل أبيب، متناسين عدد الأعلام الاسرائيلية التي ترفرف في عواصم عربية.

وما يزداد وضوحاً من خلال الحديث الى الدبلوماسيين العراقيين في الأمم المتحدة وخارجها، أنهم لم يعودوا يبالون الى حد كبير بالموقف العربي، الا عندما يتعلق الأمر بجيرانهم. فهم لا يخفون قلة صبرهم ازاء الجهود «غير الكافية» التي تبذلها الحكومة السورية لمنع «الارهابيين» من التسلل عبر الحدود الى العراق، متجاهلين أن ضبط الحدود هي مسؤولية الحكومة العراقية والقوات الأميركية بالدرجة الأولى.

وإذا كانت هناك أسباب كثيرة لمعارضة الحرب على العراق، فثمة أسباب عديدة أيضاً تحمل الحكومات العربية على اعادة تقييم علاقاتها مع الحكومة العراقية، لعل أبرزها الحيلولة من دون توجه العراق الى دول أخرى للحصول على دعم بديل.

كما أن من شأن اقامة علاقات دبلوماسية مع الحكومة العراقية أن يمنع ابتعاد العراق عن حظيرة الدول العربية وأن يضمن مصالحها في العراق، على غرار ما يفعله الايرانيون والأتراك. فقد أبقت أنقرة على سفيرها في العراق منذ ما قبل سقوط نظام صدام حسين في 9 مارس 2003. وبعثت طهران بوزير خارجيتها، كمال خرازي، الى بغداد أخيراً في اشارة الى أهمية العلاقات بين البلدين، في حين أن أي مسؤول عربي رفيع لم يزر العراق منذ ذلك الحين.

ولا غرو في أن علاقات العراق مع جيرانه تشهد بعض التوتر، فالحكومة العراقية تلوم سوريا علناً في موضوع عدم ضبط الحدود، كما أنها تنتقد الأردن بين فترة واخرى، في حين أن علاقاتها مع الكويت لا تزال رهينة المشاكل المتعلقة بالحدود ومسألة التعويضات. ويُضاف الى هذه المشاكل الثنائية عدم ارتياح الدول العربية عموما للتقارب بين بغداد وطهران.

ومن هنا، فالذي لا شك فيه ان الموقف العربي من الحرب على العراق، واستمرار الوجود الأميركي في البلاد، حالا من دون قيام الحكومات العربية بأي دور في عملية اعادة البناء، بما يعني تالياً أنها ستفقد أي دور مؤثر لها في مستقبل العراق، اذا ما أبقت على تباعدها هذا عن الحكومة العراقية.

ولعل بإمكان الدول العربية الاعتبار من ايران، العدو اللدود للولايات المتحدة، التي أعادت علاقاتها الدبلوماسية مع بغداد تحقيقاً لمصالحها، وذلك بألا تغالي في مواقفها، سيما أن قلة منها اتخذت موقفاً حازماً ضد غزو العراق في العام 2003 .